كتاب بداية ونهاية الجزء السادس
(1/169)
الدنيا وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم بردا ولا
سلاما ولا يلقون فيها تحية ولا سلاما بل هي كما قال تعالى (إنها ساءت مستقرا ومقاما).
قال البخاري حدثنا عبد الله (1) بن موسى، أو ابن سلام عنه، أنبأنا ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ (2)، وقال: " وكان ينفخ على ابراهيم " * ورواه مسلم من حديث ابن جريج * وأخرجاه والنسائي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة به * وقال أحمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية أن نافعا مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم ".
قال فكانت عائشة تقتلهن * وقال احمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت ما هذا الرمح فقالت نقتل به الاوزاغ.
ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن ابراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه * تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا جرير، حدثنا نافع، حدثتني سمامة (3) مولاة الفاكه بن
المغيرة قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا موضوعا فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح قالت هذا لهذه الاوزاغ نقتلهن به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: " أن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الارض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ كان ينفخ عليه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله (4) " * ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به.
ذكر مناظرة ابراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء
قال الله تعالى (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.
قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر.
والله لا يهدي القوم الظالمين) [ البقرة: 258 ] يذكر تعالى مناظرة
__________
(1) في البخاري عبيد الله.
(2) الوزغ: حشرة يقال لكبيرها: سام أبرص.
(3) في المسند: سائبة روت عن عائشة وروى عنها نافع وابن عمر وذكرها ابن حبان في الثقات الكاشف ج 3 / 427.
(4) رواه أحمد في مسنده ج 6 / 83 - 200 والبخاري في الفتح 60 / 8 / 3359 ومسلم في صحيحه 7 / 41 وأبو داود في سننه كتاب الادب - باب قتل الاوزاغ وابن عساكر في تاريخه 2 / 146 تهذيب.
بوجوه مختلفة.
[ * ]
قال البخاري حدثنا عبد الله (1) بن موسى، أو ابن سلام عنه، أنبأنا ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ (2)، وقال: " وكان ينفخ على ابراهيم " * ورواه مسلم من حديث ابن جريج * وأخرجاه والنسائي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة به * وقال أحمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية أن نافعا مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم ".
قال فكانت عائشة تقتلهن * وقال احمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت ما هذا الرمح فقالت نقتل به الاوزاغ.
ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن ابراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه * تفرد به أحمد من هذين الوجهين.
وقال أحمد: حدثنا عفان، حدثنا جرير، حدثنا نافع، حدثتني سمامة (3) مولاة الفاكه بن
المغيرة قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا موضوعا فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح قالت هذا لهذه الاوزاغ نقتلهن به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: " أن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الارض دابة إلا تطفئ عنه النار غير الوزغ كان ينفخ عليه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله (4) " * ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به.
ذكر مناظرة ابراهيم الخليل مع من ادعى الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء
قال الله تعالى (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.
قال ابراهيم فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر.
والله لا يهدي القوم الظالمين) [ البقرة: 258 ] يذكر تعالى مناظرة
__________
(1) في البخاري عبيد الله.
(2) الوزغ: حشرة يقال لكبيرها: سام أبرص.
(3) في المسند: سائبة روت عن عائشة وروى عنها نافع وابن عمر وذكرها ابن حبان في الثقات الكاشف ج 3 / 427.
(4) رواه أحمد في مسنده ج 6 / 83 - 200 والبخاري في الفتح 60 / 8 / 3359 ومسلم في صحيحه 7 / 41 وأبو داود في سننه كتاب الادب - باب قتل الاوزاغ وابن عساكر في تاريخه 2 / 146 تهذيب.
بوجوه مختلفة.
[ * ]
(1/170)
خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد الذي أدعى لنفسه
الربوبية فأبطل الخليل عليه السلام دليله وبين كثرة جهله وقلة عقله وألجمه الحجة
وأوضح له طريق المحجة.
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والاخبار وهذا الملك هو ملك بابل واسمه النمرود ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قاله مجاهد.
وقال غيره نمرود بن فالح بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح قال مجاهد وغيره وكان أحد ملوك الدنيا فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة مؤمنان وكافران.
فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان.
والكافران النمرود وبختنصر وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا * ولما دعاه
إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية.
فلما قال الخليل ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.
قال قتادة والسدي ومحمد بن اسحق يعني أنه إذا أتي بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.
وهذا ليس بمعارضة للخليل بل هو كلام خارجي عن مقام المناظرة ليس بمنع ولا بمعارضة بل هو تشغيب محض وهو انقطاع في الحقيقة فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها [ هذا دليل ] (1) على وجود فاعل ذلك الذي لا بد من استنادها إلى وجوده ضرورة عدم قيامها بنفسها ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة ثم إماتتها ولهذا (قال ابراهيم ربي الذي يحي ويميت) فقول هذا الملك الجاهل أنا أحي وأميت إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند وإن عنى ما ذكره قتادة والسدي ومحمد بن اسحق فلم يقل شيئا يتعلق بكلام الخليل إذ لم يمنع مقدمة ولا عارض الدليل.
ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم ذكر دليلا آخر بين وجود الصانع وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة (قال فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها.
وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شئ * فان كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فات بهذه الشمس من المغرب فإن الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شئ ودان له كل شئ فان كنت كما تزعم فافعل هذا فإن لم تفعله فلست كما زعمت وأنت تعلم وكل أحد أنك لا تقدر على شئ من هذا بل أنت أعجز وأقل
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق، ليستقيم بها المعنى.
[ * ]
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والاخبار وهذا الملك هو ملك بابل واسمه النمرود ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قاله مجاهد.
وقال غيره نمرود بن فالح بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح قال مجاهد وغيره وكان أحد ملوك الدنيا فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة مؤمنان وكافران.
فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان.
والكافران النمرود وبختنصر وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا * ولما دعاه
إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية.
فلما قال الخليل ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت.
قال قتادة والسدي ومحمد بن اسحق يعني أنه إذا أتي بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر.
وهذا ليس بمعارضة للخليل بل هو كلام خارجي عن مقام المناظرة ليس بمنع ولا بمعارضة بل هو تشغيب محض وهو انقطاع في الحقيقة فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيوانات وموتها [ هذا دليل ] (1) على وجود فاعل ذلك الذي لا بد من استنادها إلى وجوده ضرورة عدم قيامها بنفسها ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر وخلق هذه الحيوانات التي توجد مشاهدة ثم إماتتها ولهذا (قال ابراهيم ربي الذي يحي ويميت) فقول هذا الملك الجاهل أنا أحي وأميت إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهدات فقد كابر وعاند وإن عنى ما ذكره قتادة والسدي ومحمد بن اسحق فلم يقل شيئا يتعلق بكلام الخليل إذ لم يمنع مقدمة ولا عارض الدليل.
ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم ذكر دليلا آخر بين وجود الصانع وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة (قال فان الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها.
وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شئ * فان كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فات بهذه الشمس من المغرب فإن الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شئ ودان له كل شئ فان كنت كما تزعم فافعل هذا فإن لم تفعله فلست كما زعمت وأنت تعلم وكل أحد أنك لا تقدر على شئ من هذا بل أنت أعجز وأقل
__________
(1) زيادة اقتضاها السياق، ليستقيم بها المعنى.
[ * ]
(1/171)
من أن تخلق بعوضة أو تنصر منها فبين ضلاله وجهله وكذبه
فيما ادعاه وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه ولم يبق له كلام يجيب الخليل به
بل انقطع وسكت ولهذا قال (فبهت
الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين).
وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود يوم خرج من النار ولم يكن إجتمع به يومئذ فكانت بينهما هذه المناظرة * وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، أن النمرود كان عنده طعام، وكان الناس يفدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة، فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطي الناس، بل خرج وليس معه شئ من الطعام * فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملا منه عدليه وقال أشغل أهلي إذا قدمت عليهم فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا فعملت منه طعاما * فلما أستيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال أنى لكم هذا قالت من الذي جئت به فعرف أنه رزق رزقهموه الله عزوجل * قال زيد بن أسلم وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالايمان بالله فأبى عليه.
ثم دعاه الثانية فأبى عليه.
ثم الثالثة فأبى عليه.
وقال اجمع جموعك وأجمع جموعي فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها في منخر الملك فمكثت في منخرها أربعمائة سنة عذبه الله تعالى بها فكان يضرب رأسه بالمزارب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.
هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الارض المقدسة قال الله: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم.
ووهبنا له اسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب.
وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) [ العنكبوت: 26 - 27 ] وقال تعالى: (ونجيناه ولوطا إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين.
ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين.
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا
وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [ الانبياء: 71 - 73 ] لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقرا لا يولد لها ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وهبه الله تعالى بعد ذلك الاولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الانبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه خلعة من الله وكرامة له حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عزوجل ودعوة الخلق إليه والارض التي قصدها بالهجرة أرض الشام وهي التي قال الله عزوجل (إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين)
وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود يوم خرج من النار ولم يكن إجتمع به يومئذ فكانت بينهما هذه المناظرة * وقد روى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم، أن النمرود كان عنده طعام، وكان الناس يفدون إليه للميرة، فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة، فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطي الناس، بل خرج وليس معه شئ من الطعام * فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملا منه عدليه وقال أشغل أهلي إذا قدمت عليهم فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام فقامت امرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا فعملت منه طعاما * فلما أستيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال أنى لكم هذا قالت من الذي جئت به فعرف أنه رزق رزقهموه الله عزوجل * قال زيد بن أسلم وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالايمان بالله فأبى عليه.
ثم دعاه الثانية فأبى عليه.
ثم الثالثة فأبى عليه.
وقال اجمع جموعك وأجمع جموعي فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها في منخر الملك فمكثت في منخرها أربعمائة سنة عذبه الله تعالى بها فكان يضرب رأسه بالمزارب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها.
هجرة الخليل إلى بلاد الشام ثم الديار المصرية واستقراره في الارض المقدسة قال الله: (فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم.
ووهبنا له اسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب.
وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) [ العنكبوت: 26 - 27 ] وقال تعالى: (ونجيناه ولوطا إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين.
ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين.
وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا
وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) [ الانبياء: 71 - 73 ] لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقرا لا يولد لها ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وهبه الله تعالى بعد ذلك الاولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الانبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه خلعة من الله وكرامة له حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه وهاجر إلى بلد يتمكن فيها من عبادة ربه عزوجل ودعوة الخلق إليه والارض التي قصدها بالهجرة أرض الشام وهي التي قال الله عزوجل (إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين)
(1/172)
قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم * وروى العوفي عن ابن عباس قوله (إلى الارض التي باركنا فيها للعالمين) مكة ألم تسمع إلى قوله (إن أول بيت وضع
للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين).
وزعم كعب الاحبار أنها حران * وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط وأخوه ناحور وامرأة ابراهيم سارة وامرأة أخيه ملكا فنزلوا حران فمات تارح أبو إبراهيم بها.
وقال السدي انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام فلقي ابراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها رواه ابن جرير (1) وهو غريب * والمشهور أنها ابنة عمه هاران الذي تنسب إليه حران ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش فقد أبعد النجعة وقال بلا علم وادعى أن تزويج بنت الاخ كان إذا ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل.
ولو فرض أن هذا كان مشروعا في وقت كما هو منقول عن الربانيين من اليهود فان الانبياء لا تتعاطاه والله أعلم * ثم المشهور أن ابراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجرا من بلاده كما تقدم والله أعلم.
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الارض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحا لله شكرا على هذه
النعمة وضرب قبته شرقي بيت المقدس ثم انطلق مرتحلا إلى التيمن وأنه كان جوع أي قحط وشدة وغلاء فارتحلوا إلى مصر وذكروا قصة سارة مع ملكها وان إبراهيم قال لها قولي أنا أخته وذكروا خدام الملك إياها هاجر.
ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن يعني أرض بيت المقدس وما والاها ومعه دواب وعبيد وأموال.
وقد قال البخاري حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله قوله (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه وسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الارض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعا بعض حجبته فقال إنك لم تأتني بإنسان وإنما أتيتني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم فقالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر * قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء
__________
(1) تاريخ الطبري ج 1 / 125.
[ * ]
وزعم كعب الاحبار أنها حران * وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط وأخوه ناحور وامرأة ابراهيم سارة وامرأة أخيه ملكا فنزلوا حران فمات تارح أبو إبراهيم بها.
وقال السدي انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام فلقي ابراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها رواه ابن جرير (1) وهو غريب * والمشهور أنها ابنة عمه هاران الذي تنسب إليه حران ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش فقد أبعد النجعة وقال بلا علم وادعى أن تزويج بنت الاخ كان إذا ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل.
ولو فرض أن هذا كان مشروعا في وقت كما هو منقول عن الربانيين من اليهود فان الانبياء لا تتعاطاه والله أعلم * ثم المشهور أن ابراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجرا من بلاده كما تقدم والله أعلم.
وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الارض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحا لله شكرا على هذه
النعمة وضرب قبته شرقي بيت المقدس ثم انطلق مرتحلا إلى التيمن وأنه كان جوع أي قحط وشدة وغلاء فارتحلوا إلى مصر وذكروا قصة سارة مع ملكها وان إبراهيم قال لها قولي أنا أخته وذكروا خدام الملك إياها هاجر.
ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن يعني أرض بيت المقدس وما والاها ومعه دواب وعبيد وأموال.
وقد قال البخاري حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله قوله (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه وسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الارض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعا بعض حجبته فقال إنك لم تأتني بإنسان وإنما أتيتني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم فقالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر * قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء
__________
(1) تاريخ الطبري ج 1 / 125.
[ * ]
(1/173)
السماء (1) تفرد
به من هذا الوجه موقوفا * وقد رواه الحافظ
أبو بكر البزار عن عمرو بن علي الفلاس عن عبد الوهاب الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد
بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله
(إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا)
وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلا
فأتى الجبار فقيل له إنه قد نزل ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس.
فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي فلا تكذبيني عنده فأنطلق بها فلما ذهب يتناولها أخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك
فدعت له فأرسل فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات فدعا أدنى حشمة فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر (2).
وأخرجاه من حديث هشام * ثم قال البزار لا نعلم أسنده عن محمد عن أبي هريرة إلا هشام ورواه غيره موقوفا.
وقال الامام أحمد حدثنا علي بن حفص عن ورقاء هو ابن عمر اليشكري، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة (انها أختي) قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس قال فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك قال أختي قال فأرسل بها قال فأرسل بها إليه وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنك أختي إن على الارض مؤمن غيري وغيرك فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركض برجله * قال أبو الزناد قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة إنها قالت اللهم إن يمت يقال هي قتله قال فأرسل قال: ثم قام إليها قال فقامت تتوضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة انها قالت اللهم ان يمت يقل هي قتلته قال فأرسل قال فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إلي إلا شيطانا أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر قال فرجعت فقالت
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (60 / 8 / 3358 الفتح) ورواه مسلم في صحيحه (43 كتاب - ح 154) ورواه أبو داود في سننه والترمذي وأحمد في مسنده 1 / 281 - 295، 2 / 403، 3 / 244 وأبو داود الطيالسي في مسنده (2711).
ومحمد: هو ابن سيرين.
قال الحافظ ابن حجر: ان ابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه.
(2) روى ابن عساكر نحوه في تاريخه 2 / 143، وانظر ما تقدم من تعليق في الحديث الذي قبله.
[ * ]
فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وإنك أختي فلا تكذبيني عنده فأنطلق بها فلما ذهب يتناولها أخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك
فدعت له فأرسل فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها.
فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات فدعا أدنى حشمة فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر (2).
وأخرجاه من حديث هشام * ثم قال البزار لا نعلم أسنده عن محمد عن أبي هريرة إلا هشام ورواه غيره موقوفا.
وقال الامام أحمد حدثنا علي بن حفص عن ورقاء هو ابن عمر اليشكري، عن أبي الزناد، عن الاعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله حين دعي إلى آلهتهم فقال (إني سقيم) وقوله (بل فعله كبيرهم هذا) وقوله لسارة (انها أختي) قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس قال فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك قال أختي قال فأرسل بها قال فأرسل بها إليه وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنك أختي إن على الارض مؤمن غيري وغيرك فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت تتوضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركض برجله * قال أبو الزناد قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة إنها قالت اللهم إن يمت يقال هي قتله قال فأرسل قال: ثم قام إليها قال فقامت تتوضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة انها قالت اللهم ان يمت يقل هي قتلته قال فأرسل قال فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إلي إلا شيطانا أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر قال فرجعت فقالت
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (60 / 8 / 3358 الفتح) ورواه مسلم في صحيحه (43 كتاب - ح 154) ورواه أبو داود في سننه والترمذي وأحمد في مسنده 1 / 281 - 295، 2 / 403، 3 / 244 وأبو داود الطيالسي في مسنده (2711).
ومحمد: هو ابن سيرين.
قال الحافظ ابن حجر: ان ابن سيرين كان غالبا لا يصرح برفع كثير من حديثه.
(2) روى ابن عساكر نحوه في تاريخه 2 / 143، وانظر ما تقدم من تعليق في الحديث الذي قبله.
[ * ]
(1/174)
لابراهيم أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة * تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط
الصحيح * وقد رواه البخاري عن أبي اليمان عن
شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم به مختصرا * وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا
سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في كلمات ابراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حل (1)
بها عن دين الله فقال إني سقيم وقال بل فعله كبيرهم هذا
وقال للملك حين أراد امرأته هي أختي فقوله في الحديث هي أختي أي في دين الله وقوله
لها إنه ليس على وجه الارض مؤمن غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ويتعين
حمله على هذا لان لوطا كان معهم وهو نبي عليه السلام وقوله لها لما رجعت إليه مهيم
معناه ما الخبر فقالت إن الله رد كيد الكافرين.
وفي رواية الفاجر وهو الملك وأخدم جارية وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عزوجل ويسأله أن يدفع عن أهله وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء وهكذا فعلت هي أيضا فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرا قامت إلى وضوئها وصلاتها ودعت الله عزوجل بما تقدم من الدعاء العظيم ولهذا قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلوة) [ البقرة: 45 ] فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام * والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن * ورأيت في بعض الآثار أن الله عزوجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه وكان مشاهدا لها وهي عند الملك وكيف عصمها الله منه ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها * ولله الحمد والمنة (2).
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخا للضحاك الملك المشهور بالظلم وكان عاملا لاخيه على مصر (3) * ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج (4) بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح.
وذكر ابن هشام في التيجان أن الذي أرادها عمرو بن امرئ القيس بن مايلون بن سبأ وكان على مصر نقله السهيلي فالله أعلم.
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن وهي الارض المقدسة التي
__________
(1) ماحل: جادل ودافع.
(2) استغل اليهود هذه الحادثة للطعن على إبراهيم عليه السلام كما طعنوا على لوط وداود عليهما السلام.
(3) ذكره الكامل لابن الاثير: 1 / 101 والطبري في رواية 1 / 151.
(4) في الكامل لابن الاثير: عولج وفي الطبري فكالاصل.
[ * ]
وفي رواية الفاجر وهو الملك وأخدم جارية وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عزوجل ويسأله أن يدفع عن أهله وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء وهكذا فعلت هي أيضا فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرا قامت إلى وضوئها وصلاتها ودعت الله عزوجل بما تقدم من الدعاء العظيم ولهذا قال تعالى (واستعينوا بالصبر والصلوة) [ البقرة: 45 ] فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام.
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام * والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهن وأرضاهن * ورأيت في بعض الآثار أن الله عزوجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه وكان مشاهدا لها وهي عند الملك وكيف عصمها الله منه ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها * ولله الحمد والمنة (2).
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخا للضحاك الملك المشهور بالظلم وكان عاملا لاخيه على مصر (3) * ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج (4) بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح.
وذكر ابن هشام في التيجان أن الذي أرادها عمرو بن امرئ القيس بن مايلون بن سبأ وكان على مصر نقله السهيلي فالله أعلم.
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن وهي الارض المقدسة التي
__________
(1) ماحل: جادل ودافع.
(2) استغل اليهود هذه الحادثة للطعن على إبراهيم عليه السلام كما طعنوا على لوط وداود عليهما السلام.
(3) ذكره الكامل لابن الاثير: 1 / 101 والطبري في رواية 1 / 151.
(4) في الكامل لابن الاثير: عولج وفي الطبري فكالاصل.
[ * ]
(1/175)
كان فيها ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل وصحبتهم هاجر
القبطية المصرية ثم إن لوطا عليه السلام نزح بماله من الاموال الجزيلة بأمر الخليل
له في ذلك إلى أرض الغور المعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم (1) وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان
وكان أهلها أشرارا كفارا فجارا وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل فأمره أن يمد
بصره وينظر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وبشره بأن هذه الارض كلها سأجعلها لك ولخلفك
إلى آخر الدهر وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الارض * وهذه البشارة اتصلت بهذه الامة بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه
الامة المحمدية * يؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم " ان الله زوي لي الارض فرأيت
مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها " (2).
قالوا ثم أن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ (3) أمواله وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شرقي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لانه كان موقف جيش الخليل والله أعلم.
ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين
واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.
ذكر مولد اسماعيل عليه السلام من هاجر
قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة وأن الله بشره بذلك وأنه لما كان لابراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة قالت سارة لابراهيم عليه السلام إن الرب قد أحرمني الولد فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقني منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام فحين دخل بها حملت منه قالوا فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها افعلي بها ما شئت فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرا
__________
(1) في الطبري: 1 / 127: ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع (من أرض فلسطين) على مسيرة يوم وليلة ; وفي رواية أخرى 1 / 151: نزل الاردن.
وبعثه الله نبيا على المدائن الخمس: سدوم، وعمورا، وادموتا، وصاعورا وصابورا (المسعودي 1 / 42) ونزل إبراهيم السبع من أرض فلسطين / الطبري - الكامل.
(2) أخرجه الطبراني عن سلمان وجابر بن عبد الله.
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 527 عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان وفيه زيادة قال: وأعطيت الكنزين الاحمر والابيض وأني سألت ربي عزوجل لامتي ألا يهلكها بسنة عامة..زوي: جمع.
وسنة: قحط وجدب.
(3) سقط في الكلام ; وفي قصص الانبياء لابن كثير: فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا فاستنقذ لوطا عليه السلام واسترجع أمواله..[ * ]
قالوا ثم أن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ (3) أمواله وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شرقي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لانه كان موقف جيش الخليل والله أعلم.
ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين
واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه.
ذكر مولد اسماعيل عليه السلام من هاجر
قال أهل الكتاب: إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة وأن الله بشره بذلك وأنه لما كان لابراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة قالت سارة لابراهيم عليه السلام إن الرب قد أحرمني الولد فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقني منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام فحين دخل بها حملت منه قالوا فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها افعلي بها ما شئت فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرا
__________
(1) في الطبري: 1 / 127: ونزل لوط بالمؤتفكة وهي من السبع (من أرض فلسطين) على مسيرة يوم وليلة ; وفي رواية أخرى 1 / 151: نزل الاردن.
وبعثه الله نبيا على المدائن الخمس: سدوم، وعمورا، وادموتا، وصاعورا وصابورا (المسعودي 1 / 42) ونزل إبراهيم السبع من أرض فلسطين / الطبري - الكامل.
(2) أخرجه الطبراني عن سلمان وجابر بن عبد الله.
وأخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 527 عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان وفيه زيادة قال: وأعطيت الكنزين الاحمر والابيض وأني سألت ربي عزوجل لامتي ألا يهلكها بسنة عامة..زوي: جمع.
وسنة: قحط وجدب.
(3) سقط في الكلام ; وفي قصص الانبياء لابن كثير: فلما بلغ الخبر إبراهيم الخليل سار إليهم في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا فاستنقذ لوطا عليه السلام واسترجع أمواله..[ * ]
(1/176)
وأمرها بالرجوع وبشرها أنها ستلد ابنا وتسميه إسماعيل
ويكون وحش الناس يده على الكل ويد الكل به ويملك جميع بلاد إخوته فشكرت الله عزوجل
على ذلك.
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه الذي سادت به العرب وملكت جميع البلاد غربا وشرقا وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تؤت أمة من الامم قبلهم وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به وعموم بعثته لجميع أهل
الارض.
ولما رجعت هاجر وضعت اسماعيل عليه السلام قالوا وولدته ولابراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد اسحق بثلاث عشرة سنة * ولما ولد اسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره باسحق من سارة فخر لله ساجدا وقال له قد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته (1) جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما * وأجعله رئيسا لشعب عظيم وهذه أيضا بشارة بهذه الامة العظيمة وهؤلاء الاثنا عشر عظيما هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم في حديث عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يكون اثنا عشر أميرا " ثم قال كلمة لم افهمها فسألت أبي ما قال قال " كلهم من قريش " أخرجاه في الصحيحين (2).
وفي رواية لا يزال هذا الامر قائما وفي رواية عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
فهؤلاء منهم الائمة الاربع أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
ومنهم عمر بن عبد العزيز أيضا.
ومنهم بعض بني العباس وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا بل لابد من وجودهم وليس المراد الائمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكري فيما يزعمون فان أولئك لم يكن فيهم أنفع من علي وإبنه الحسن بن علي حين ترك القتال وسلم الامر لمعاوية وأخمد نار الفتنة وسكن رحى الحروب بين المسلمين والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الامة في أمر من الامور * وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس وهذيان في النفوس لا حقيقة له ولا عين ولا أثر.
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها اسماعيل اشتدت غيرة سارة منها وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا فلما تركهما هناك وولي ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه وقالت يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا فلم يجبها فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له، الله أمرك بهذا ؟ قال: نعم.
قالت فإذا لا يضيعنا * وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فخلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها
__________
(1) كذا في النسخ المطبوعة، ونسخ قصص الانبياء لابن كثير ; ولعله ويمنته وهي أكثر مناسبة للسياق.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 519 والبخاري في 93 كتاب الاحكام 51 باب الاستخلاف ومسلم في 33 كتاب الامارة (1) باب الناس تبع لقريش ص 1452.
وأبو داود في أول كتاب المهدي، وأحمد في المسنده 5 / 92.
[ * ]
وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه الذي سادت به العرب وملكت جميع البلاد غربا وشرقا وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تؤت أمة من الامم قبلهم وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به وعموم بعثته لجميع أهل
الارض.
ولما رجعت هاجر وضعت اسماعيل عليه السلام قالوا وولدته ولابراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد اسحق بثلاث عشرة سنة * ولما ولد اسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره باسحق من سارة فخر لله ساجدا وقال له قد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته (1) جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما * وأجعله رئيسا لشعب عظيم وهذه أيضا بشارة بهذه الامة العظيمة وهؤلاء الاثنا عشر عظيما هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم في حديث عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يكون اثنا عشر أميرا " ثم قال كلمة لم افهمها فسألت أبي ما قال قال " كلهم من قريش " أخرجاه في الصحيحين (2).
وفي رواية لا يزال هذا الامر قائما وفي رواية عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.
فهؤلاء منهم الائمة الاربع أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.
ومنهم عمر بن عبد العزيز أيضا.
ومنهم بعض بني العباس وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا بل لابد من وجودهم وليس المراد الائمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكري فيما يزعمون فان أولئك لم يكن فيهم أنفع من علي وإبنه الحسن بن علي حين ترك القتال وسلم الامر لمعاوية وأخمد نار الفتنة وسكن رحى الحروب بين المسلمين والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الامة في أمر من الامور * وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤوس وهذيان في النفوس لا حقيقة له ولا عين ولا أثر.
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها اسماعيل اشتدت غيرة سارة منها وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا فلما تركهما هناك وولي ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه وقالت يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا فلم يجبها فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له، الله أمرك بهذا ؟ قال: نعم.
قالت فإذا لا يضيعنا * وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فخلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها
__________
(1) كذا في النسخ المطبوعة، ونسخ قصص الانبياء لابن كثير ; ولعله ويمنته وهي أكثر مناسبة للسياق.
(2) أخرجه البيهقي في الدلائل ج 6 / 519 والبخاري في 93 كتاب الاحكام 51 باب الاستخلاف ومسلم في 33 كتاب الامارة (1) باب الناس تبع لقريش ص 1452.
وأبو داود في أول كتاب المهدي، وأحمد في المسنده 5 / 92.
[ * ]
(1/177)
الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها (1) * قال السهيلي فكانت أول من اختنن من
النساء وأول من ثقبت أذنها منهن وأول من طولت ذيلها.
ذكر مهاجرة ابراهيم بابنه اسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران وهي ارض مكة وبنائه البيت العتيق
قال البخاري قال عبد الله بن محمد - هو أبو بكر بن أبي شيبة - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب السختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفي إبراهيم منطلقا فتبعته أم اسماعيل فقالت يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شئ، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا، قال: نعم.
قالت إذا لا يضيعنا.
ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال (ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) [ ابراهيم: 37 ] وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الارض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا
حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الانسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فلذلك سعى الناس بينهما ".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه، تريد نفسها.
ثم تسمعت فسمعت أيضا ; فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث.
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا.
وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف * قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم " أو قال: " لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا " فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافى الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت
__________
(1) أورده الطبري في تاريخه 1 / 130 وابن الاثير في الكامل 1 / 103 وفيهما فمن ثم خفص النساء.
[ * ]
ذكر مهاجرة ابراهيم بابنه اسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران وهي ارض مكة وبنائه البيت العتيق
قال البخاري قال عبد الله بن محمد - هو أبو بكر بن أبي شيبة - حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن أيوب السختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة، يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفي إبراهيم منطلقا فتبعته أم اسماعيل فقالت يا إبراهيم: أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شئ، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: الله أمرك بهذا، قال: نعم.
قالت إذا لا يضيعنا.
ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال (ربنا إني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) [ ابراهيم: 37 ] وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى - أو قال يتلبط - فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الارض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا
حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الانسان المجهود، حتى إذا جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحدا، فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فلذلك سعى الناس بينهما ".
فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه، تريد نفسها.
ثم تسمعت فسمعت أيضا ; فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث.
فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه - أو قال بجناحه - حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا.
وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف * قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم " أو قال: " لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا " فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافى الضيعة، فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يضيع أهله، وكان البيت
__________
(1) أورده الطبري في تاريخه 1 / 130 وابن الاثير في الكامل 1 / 103 وفيهما فمن ثم خفص النساء.
[ * ]
(1/178)
مرتفعا من الارض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه
وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم، أو أهل بيت من جرهم، مقبلين من طريق
كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا " (1) فقالوا: إن هذا الطائر
ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم
بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا، قال: وأم اسمعيل عند الماء فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك، قالت نعم ولكن لا
حق لكم في الماء، قالوا: نعم *
قال عبد الله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" فألقى ذلك أم اسمعيل وهي تحب الانس فنزلوا
وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم، حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم، وشب الغلام
وتعلم العربية منهم، وأنفسهم (2) وأعجبهم حين
شب، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم (3) وماتت أم
اسمعيل فجاء ابراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته
فقالت: خرج يبتغي لنا.
ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه * قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه، فلما جاء اسمعيل، كأنه آنس شيئا، فقال: هل
جاءكم من أحد ؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال فهل أوصاك بشئ فقالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك، فالحق بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى (4) ولبث عنهم ابراهيم ما شاء الله * ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم، وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم ؟ قالت: اللحم قال فما شرابكم قالت: الماء.
قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولم يكن لهم يومئذ حب (5).
ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه " [ قال: ] فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة إلا لم يوافقاه (6).
قال: فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن، قال الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال: فأوصاك بشئ قالت: نعم هو
__________
(1) عائفا: باحثا عن الماء.
(2) أنفسهم: زاحمهم في النفاسة وعلو الهمة.
(3) وهي جداء بنت سعد، امرأة من جرهم وهي التي امره أبوه بتطليقها.
(4) وهي رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وقيل اسمها السيدة.
(5) حب، بكسر الحاء، إناء من فخار يحفظ فيه الماء.
(6) كذا العبارة في الاصول والمعنى وغير مكتمل ; وفي العرائس للثعلبي ما يكتمل به المعنى: " فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت مكة أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ".
(انظر الكامل لابن الاثير 1 / 104، الطبري 1 / 132).
[ * ]
ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه * قال: فإذا جاء زوجك اقرئي عليه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه، فلما جاء اسمعيل، كأنه آنس شيئا، فقال: هل
جاءكم من أحد ؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة.
قال فهل أوصاك بشئ فقالت: نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك، فالحق بأهلك، فطلقها وتزوج منهم أخرى (4) ولبث عنهم ابراهيم ما شاء الله * ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم، وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم ؟ قالت: اللحم قال فما شرابكم قالت: الماء.
قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولم يكن لهم يومئذ حب (5).
ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه " [ قال: ] فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة إلا لم يوافقاه (6).
قال: فإذا جاء زوجك فأقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن، قال الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال: فأوصاك بشئ قالت: نعم هو
__________
(1) عائفا: باحثا عن الماء.
(2) أنفسهم: زاحمهم في النفاسة وعلو الهمة.
(3) وهي جداء بنت سعد، امرأة من جرهم وهي التي امره أبوه بتطليقها.
(4) وهي رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وقيل اسمها السيدة.
(5) حب، بكسر الحاء، إناء من فخار يحفظ فيه الماء.
(6) كذا العبارة في الاصول والمعنى وغير مكتمل ; وفي العرائس للثعلبي ما يكتمل به المعنى: " فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت مكة أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا ".
(انظر الكامل لابن الاثير 1 / 104، الطبري 1 / 132).
[ * ]
(1/179)
يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأمرني أن أمسكك *
ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك اسمعيل يبري
نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه
فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد * ثم قال يا اسمعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال: وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتي بالحجارة وابراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان (ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم) [ البقرة: 127 ] قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) ثم قال حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من ابراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء * وذكر تمامه بنحر ما تقدم وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفي بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الاسرائيليات * وفيه أن اسمعيل كان رضيعا إذ ذاك * وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده اسمعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره فيكون عمر اسمعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وهذا امتثال لامر الله عزوجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال كما هو مقرر في موضعه.
وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " أختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " * تابعه عبد الرحمن بن إسحق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة * وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به * وفي بعض الالفاظ اختتن ابراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم.
والقدوم هو الآلة وقيل موضع.
وهذا اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين.
والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اختتن ابراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ".
رواه ابن حبان في صحيحه.
وليس في هذا السياق ذكر قصة الذبيح وانه اسمعيل ولم يذكر في قد مات (1) ابراهيم عليه السلام إلا ثلاث مرات أولاهن بعد أن تزوج إسمعيل بعد موت هاجر، وكيف تركهم من حين صغر الولد، على ما ذكر إلى حين تزويجه، لا ينظر في حالهم.
وقد ذكر أن الارض كانت تطوى له وقيل: إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة
__________
(1) قد مات: المرات التي قدمها إبراهيم إلى ولده.
* ]
فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد * ثم قال يا اسمعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال: وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتي بالحجارة وابراهيم يبني، حتى إذا ارتفع البناء، جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان (ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم) [ البقرة: 127 ] قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) ثم قال حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن كثير بن كثير، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من ابراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء * وذكر تمامه بنحر ما تقدم وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفي بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الاسرائيليات * وفيه أن اسمعيل كان رضيعا إذ ذاك * وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده اسمعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره فيكون عمر اسمعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وهذا امتثال لامر الله عزوجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال كما هو مقرر في موضعه.
وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الاعرج عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم " أختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم " * تابعه عبد الرحمن بن إسحق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة * وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به * وفي بعض الالفاظ اختتن ابراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم.
والقدوم هو الآلة وقيل موضع.
وهذا اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين.
والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اختتن ابراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة ".
رواه ابن حبان في صحيحه.
وليس في هذا السياق ذكر قصة الذبيح وانه اسمعيل ولم يذكر في قد مات (1) ابراهيم عليه السلام إلا ثلاث مرات أولاهن بعد أن تزوج إسمعيل بعد موت هاجر، وكيف تركهم من حين صغر الولد، على ما ذكر إلى حين تزويجه، لا ينظر في حالهم.
وقد ذكر أن الارض كانت تطوى له وقيل: إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة
__________
(1) قد مات: المرات التي قدمها إبراهيم إلى ولده.
* ]
(1/180)
والحاجة الاكيدة * وكأن بعض هذا السياق متلقى من الاسرائيليات ومطرز بشئ من
المرفوعات ولم يذكر فيه قصة الذبيح وقد دللنا (1) على أن الذبيح هو إسمعيل على الصحيح في سورة الصافات.
قصة الذبيح
قال الله تعالى (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين.
رب هب لي من الصالحين.
فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين.
فلما أسلما وتله للجبين.
وناديناه ان يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين.
ان هذا لهو البلاء المبين.
وفديناه بذبح عظيم.
وتركنا عليه في الآخرين.
سلام على إبراهيم.
كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين.
وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين.
وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) [ الصافات: 113 ].
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام لانه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل.
وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل لانه أول ولده وبكره وقوله (فلما بلغ معه السعي) أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد (فلما بلغ معه السعي) أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رئى ابراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده * هذا.
وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا " رؤيا الانبياء وحي " (2) * قاله عبيد بن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عزوجل لخليله في أن
يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر وقد طعن في السن بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه، فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا (قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) [ الصافات: 102 ] فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) * وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى (فلما أسلما وتله للجبين) قيل أسلما أي استسلما لامر الله وعزما على ذلك.
وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه.
قيل أراد أن يذبحه من قفاه
__________
(1) في تفسير ابن كثير ; راجع سورة الصافات.
وسيأتي الحديث عنه في الفصل القادم.
(2) الحديث في البخاري في رواية طويلة (4 / 5 / 138 فتح الباري).
[ * ]
قصة الذبيح
قال الله تعالى (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين.
رب هب لي من الصالحين.
فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين.
فلما أسلما وتله للجبين.
وناديناه ان يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين.
ان هذا لهو البلاء المبين.
وفديناه بذبح عظيم.
وتركنا عليه في الآخرين.
سلام على إبراهيم.
كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين.
وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين.
وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) [ الصافات: 113 ].
يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام لانه أول من ولد له على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل.
وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل لانه أول ولده وبكره وقوله (فلما بلغ معه السعي) أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد (فلما بلغ معه السعي) أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل.
فلما كان هذا رئى ابراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده * هذا.
وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا " رؤيا الانبياء وحي " (2) * قاله عبيد بن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عزوجل لخليله في أن
يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر وقد طعن في السن بعدما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه، فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان.
ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه، وامتثل أمره، وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا (قال يا بني اني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) [ الصافات: 102 ] فبادر الغلام الحليم، سر والده الخليل إبراهيم، فقال: " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين) * وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى (فلما أسلما وتله للجبين) قيل أسلما أي استسلما لامر الله وعزما على ذلك.
وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه.
قيل أراد أن يذبحه من قفاه
__________
(1) في تفسير ابن كثير ; راجع سورة الصافات.
وسيأتي الحديث عنه في الفصل القادم.
(2) الحديث في البخاري في رواية طويلة (4 / 5 / 138 فتح الباري).
[ * ]
(1/181)
لئلا يشاهده في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن
جبير وقتادة والضحاك.
وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالارض ((واسلما) أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت * قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عزوجل (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى (إن هذا لهو البلاء المبين) أي الاختبار الظاهر البين وقوله (وفديناه بذبح عظيم) أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير.
قال الثوري
عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر (1).
وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه (2).
رواه ابن أبي حاتم.
قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام.
فأما ما روي عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الاروى.
واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما * ثم غالب ماههنا من الآثار مأخوذ من الاسرائيليات * وفي القرآن كفاية عما جرى من الامر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى ذبح عظيم وقد ورد في الحديث أنه كان كبشا.
قال الامام أحمد، حدثنا سفيان، حدثنا منصور عن خاله نافع (3)، عن صفية بنت شيبة، قالت: أخبرتني إمرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة - وقال مرة - إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما (4) فخمرهما فانه لا ينبغي أن يكون في البيت شئ يشغل المصلي.
قال: سفيان: لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا (5).
__________
(1) العهن: الصوف.
(2) الخبر في الطبري ج 1 / 141 - 142.
(3) في المسند: مسافح.
(4) تخمرهما: تغطيهما.
(5) الحديث في مسند أحمد ج 4 / 68، 5 / 380.
وفيه: - صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية حدثت عن عائشة وأم حبيبة.
وفي البخاري صرع بسماعها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر الدارقطني ذلك.
(تقريب التهذيب 2 / 603) الكاشف 3 / 429.
[ * ]
وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالارض ((واسلما) أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت * قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم.
فعند ذلك نودي من الله عزوجل (أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا) أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى (إن هذا لهو البلاء المبين) أي الاختبار الظاهر البين وقوله (وفديناه بذبح عظيم) أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه.
والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير.
قال الثوري
عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر (1).
وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه (2).
رواه ابن أبي حاتم.
قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام.
فأما ما روي عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الاروى.
واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما * ثم غالب ماههنا من الآثار مأخوذ من الاسرائيليات * وفي القرآن كفاية عما جرى من الامر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى ذبح عظيم وقد ورد في الحديث أنه كان كبشا.
قال الامام أحمد، حدثنا سفيان، حدثنا منصور عن خاله نافع (3)، عن صفية بنت شيبة، قالت: أخبرتني إمرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة - وقال مرة - إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما (4) فخمرهما فانه لا ينبغي أن يكون في البيت شئ يشغل المصلي.
قال: سفيان: لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا (5).
__________
(1) العهن: الصوف.
(2) الخبر في الطبري ج 1 / 141 - 142.
(3) في المسند: مسافح.
(4) تخمرهما: تغطيهما.
(5) الحديث في مسند أحمد ج 4 / 68، 5 / 380.
وفيه: - صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية حدثت عن عائشة وأم حبيبة.
وفي البخاري صرع بسماعها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر الدارقطني ذلك.
(تقريب التهذيب 2 / 603) الكاشف 3 / 429.
[ * ]
(1/182)
وهذا روي عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند
ميزاب الكعبة قد يبس.
وهذا وحده
دليل على أن الذبيح اسمعيل لانه كان هو المقيم بمكة.
واسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم.
وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسمعيل لانه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين) [ الصافات: 112 [ ومن جعله حالا (1) فقد تكلف، ومستنده أنه إسحق إنما هو اسرائيليات، وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما ههنا قطعا لا محيد عنه، فان عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره اسحق فلفظة اسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة لانه ليس هو الوحيد ولا البكر [ انما ] ذاك اسمعيل.
وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن إسمعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسحق والد يعقوب وهو اسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وقد قال بأنه اسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم (2).
وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الاحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لاجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه اسمعيل.
وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه اسمعيل وليس باسحق من قوله (فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) [ هود: 71 ] قال: فكيف تقع البشارة باسحق ؟ وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحق، وهو صغير، قبل أن يولد له، هذا لا يكون لانه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم.
وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله (فبشرناها باسحاق) جملة تامة وقوله (ومن وراء إسحاق يعقوب) جملة أخرى ليست في حيز البشارة.
قال لانه لا يجوز من حيث العربية أن يكون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن
__________
= منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجي المكي، وهو ابن صفية بنت شيبة ثقة.
تقريب التهذيب 2 / 276 قال أبو حاتم: صالح الحديث مات سنة 137 ه (الكاشف ج 3 / 156).
(1) أي من جعل كلمة - نبيا - حال من إسحاق فيكون التبشير به - بإسحاق - تبشيرا بنبوته لا بولادته.
(2) قال القرطبي 15 / 99: واختلف العلماء في المأمور بذبحه ; فقال أكثرهم: الذبيح اسحق.
وممن قال بذلك: العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله - ابن عباس - ابن مسعود - حماد بن زيد - جابر بن عبد الله - عبد الله بن عمر - عمر بن الخطاب - (هؤلاء من الصحابة) ومن التابعين وغيرهم: علقمة الشعبي مجاهد وسعيد بن جبير وكعب الاحبار وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والسدي والزهري ومالك بن أنس.
وقال الزجاج: الله أعلم أيهما الذبيح، وهذا مذهب ثالث.
أما المذهب الثاني ; فهم من قال: انه إسماعيل.
[ * ]
وهذا وحده
دليل على أن الذبيح اسمعيل لانه كان هو المقيم بمكة.
واسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم.
وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسمعيل لانه ذكر قصة الذبيح ثم قال بعده (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين) [ الصافات: 112 [ ومن جعله حالا (1) فقد تكلف، ومستنده أنه إسحق إنما هو اسرائيليات، وكتابهم فيه تحريف، ولا سيما ههنا قطعا لا محيد عنه، فان عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره اسحق فلفظة اسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة لانه ليس هو الوحيد ولا البكر [ انما ] ذاك اسمعيل.
وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن إسمعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسحق والد يعقوب وهو اسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.
وقد قال بأنه اسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم (2).
وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الاحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لاجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه اسمعيل.
وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه اسمعيل وليس باسحق من قوله (فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحق يعقوب) [ هود: 71 ] قال: فكيف تقع البشارة باسحق ؟ وأنه سيولد له يعقوب، ثم يؤمر بذبح إسحق، وهو صغير، قبل أن يولد له، هذا لا يكون لانه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم.
وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله (فبشرناها باسحاق) جملة تامة وقوله (ومن وراء إسحاق يعقوب) جملة أخرى ليست في حيز البشارة.
قال لانه لا يجوز من حيث العربية أن يكون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن
__________
= منصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث العبدري الحجي المكي، وهو ابن صفية بنت شيبة ثقة.
تقريب التهذيب 2 / 276 قال أبو حاتم: صالح الحديث مات سنة 137 ه (الكاشف ج 3 / 156).
(1) أي من جعل كلمة - نبيا - حال من إسحاق فيكون التبشير به - بإسحاق - تبشيرا بنبوته لا بولادته.
(2) قال القرطبي 15 / 99: واختلف العلماء في المأمور بذبحه ; فقال أكثرهم: الذبيح اسحق.
وممن قال بذلك: العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله - ابن عباس - ابن مسعود - حماد بن زيد - جابر بن عبد الله - عبد الله بن عمر - عمر بن الخطاب - (هؤلاء من الصحابة) ومن التابعين وغيرهم: علقمة الشعبي مجاهد وسعيد بن جبير وكعب الاحبار وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والسدي والزهري ومالك بن أنس.
وقال الزجاج: الله أعلم أيهما الذبيح، وهذا مذهب ثالث.
أما المذهب الثاني ; فهم من قال: انه إسماعيل.
[ * ]
(1/183)
هو بعده عمرو حتى يقال ومن بعده بعمر.
وقال فقوله (ومن وراء إسحق يعقوب) منصوب بفعل مضمر تقديره (ووهبنا لاسحق يعقوب) وفي هذا الذي قاله نظر.
ورجح أنه اسحاق واحتج بقوله (فلما بلغ معه السعي) قال واسماعيل لم يكن عنده إنما كان في حال صغره هو وأمه بحيال مكة فكيف يبلغ معه السعي * وهذا أيضا فيه نظر لانه قد روي أن الخليل كان يذهب في كثير من الاوقات راكبا البراق إلى مكة يطلع على ولده وابنه ثم يرجع والله أعلم * فمن حكى القول عنه بأنه اسحق كعب الاحبار * وروي عن عمر والعباس وعلي وابن مسعود ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمر وأبي ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم وابن أبي بردة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط وهو اختيار ابن جرير وهذا عجب منه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء أنه اسماعيل عليه السلام.
قال مجاهد وسعيد والشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس هو اسماعيل عليه السلام وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى اسماعيل وزعمت اليهود أنه اسحق وكذبت اليهود * وقال عبد الله بن الامام احمد عن أبيه هو اسماعيل * وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن الذبيح فقال الصحيح أنه اسماعيل عليه
السلام.
قال ابن أبي حاتم وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا الذبيح هو اسماعيل عليه السلام * وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمر بن العلاء * قلت وروي عن معاوية (1) وجاء عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ومحمد بن إسحاق بن يسار وكان الحسن البصري يقول لا شك في هذا.
وقال محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الاسلمي عن محمد بن كعب أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام، يعني استدلاله بقوله بعد العصمة (2) (فبشرناه باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب) فقال له عمر إن هذا الشئ ما كنت أنظر فيه وإني لاراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه
__________
(1) روى الخبر الحاكم في مستدركه (2 / 551) من طريق عبد الله بن محمد العتبي، عن عبد الله بن سعيد عن الصنابحي.
قال الذهبي في الرواية: " قلت اسناده واه ".
وعلق عليه ابن كثير في التفسير: هذا حديث غريب جدا.
(2) " بعد العصمة " في النسخ المطبوعة وهو تحريف والصواب: بعد ذكر القصة.
[ * ]
وقال فقوله (ومن وراء إسحق يعقوب) منصوب بفعل مضمر تقديره (ووهبنا لاسحق يعقوب) وفي هذا الذي قاله نظر.
ورجح أنه اسحاق واحتج بقوله (فلما بلغ معه السعي) قال واسماعيل لم يكن عنده إنما كان في حال صغره هو وأمه بحيال مكة فكيف يبلغ معه السعي * وهذا أيضا فيه نظر لانه قد روي أن الخليل كان يذهب في كثير من الاوقات راكبا البراق إلى مكة يطلع على ولده وابنه ثم يرجع والله أعلم * فمن حكى القول عنه بأنه اسحق كعب الاحبار * وروي عن عمر والعباس وعلي وابن مسعود ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمر وأبي ميسرة وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق والزهري والقاسم وابن أبي بردة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط وهو اختيار ابن جرير وهذا عجب منه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء أنه اسماعيل عليه السلام.
قال مجاهد وسعيد والشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس هو اسماعيل عليه السلام وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى اسماعيل وزعمت اليهود أنه اسحق وكذبت اليهود * وقال عبد الله بن الامام احمد عن أبيه هو اسماعيل * وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن الذبيح فقال الصحيح أنه اسماعيل عليه
السلام.
قال ابن أبي حاتم وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا الذبيح هو اسماعيل عليه السلام * وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمر بن العلاء * قلت وروي عن معاوية (1) وجاء عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ومحمد بن إسحاق بن يسار وكان الحسن البصري يقول لا شك في هذا.
وقال محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الاسلمي عن محمد بن كعب أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام، يعني استدلاله بقوله بعد العصمة (2) (فبشرناه باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب) فقال له عمر إن هذا الشئ ما كنت أنظر فيه وإني لاراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه
__________
(1) روى الخبر الحاكم في مستدركه (2 / 551) من طريق عبد الله بن محمد العتبي، عن عبد الله بن سعيد عن الصنابحي.
قال الذهبي في الرواية: " قلت اسناده واه ".
وعلق عليه ابن كثير في التفسير: هذا حديث غريب جدا.
(2) " بعد العصمة " في النسخ المطبوعة وهو تحريف والصواب: بعد ذكر القصة.
[ * ]
(1/184)
وكان يرى أنه من علمائهم قال فسأله عمر بن عبد العزيز أي
ابني ابراهيم أمر بذبحه فقال اسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن اليهود لتعلم
بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه
والفضل والذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحق لان
إسحق أبوهم * وقد
ذكرنا هذه المسألة مستقصاة بأدلتها وآثارها في كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة.
مولد اسحاق
قال الله تعالى (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين.
وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) [ الصافات: 112 - 113 ] * وقد كانت البشارة به من الملائكة لابراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه ان شاء الله تعالى قال الله تعالى (ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ.
فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب.
قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب.
قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [ هود: 69 - 73 ] وقال تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون.
قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم.
قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون.
قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين.
قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [ الحجر: 51 - 56 ].
وقال تعالى (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين.
إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون.
فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين.
فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم.
فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم.
قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم) [ الذاريات: 24 - 30 ].
يذكر تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافا فعاملهم معاملة الضيوف شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الاكل بالكلية، وذلك لان الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) ابراهيم (وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) [ هود: 70 ] أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم وكانت قائمة على رؤس الاضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشارا بذلك قال الله تعالى
مولد اسحاق
قال الله تعالى (وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين.
وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) [ الصافات: 112 - 113 ] * وقد كانت البشارة به من الملائكة لابراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه ان شاء الله تعالى قال الله تعالى (ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ.
فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب.
قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب.
قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [ هود: 69 - 73 ] وقال تعالى (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون.
قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم.
قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون.
قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين.
قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [ الحجر: 51 - 56 ].
وقال تعالى (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين.
إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون.
فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين.
فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم.
فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم.
قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم) [ الذاريات: 24 - 30 ].
يذكر تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافا فعاملهم معاملة الضيوف شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الاكل بالكلية، وذلك لان الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام (فنكرهم) ابراهيم (وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) [ هود: 70 ] أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم وكانت قائمة على رؤس الاضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشارا بذلك قال الله تعالى
(1/185)
(فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب)
أي بشرتها الملائكة بذلك (فأقبلت امرأته في صرة) أي في صرخة (فصكت وجهها) [ الذاريات:
29 ] أي كما يفعل النساء عند التعجب (وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا)
[ هود: 72 ] أي كيف يلد
مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي - أي زوجي -
شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه.
ولهذا قالت (إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [ هود: 72 - 73 ] وكذلك تعجب ابراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون.
قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) [ الحجر: 55 54 ] أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) [ الحجر: 53 ].
وهو اسحق وأخوه اسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر.
وقال في الآية الاخرى (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو اسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ، وهو المشوي (1)، رغيفا من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن.
وعندهم أنهم أكلوا، وهذا غلط محض * وقيل كانوا يودون (2) أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء.
وعندهم أن الله تعالى قال لابراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه، فخر ابراهيم على وجهه - يعني ساجدا - وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة (3) يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة.
وقال ابراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله لابراهيم بحقي ان امرأتك سارة تلد لك غلاما وتدعو اسمه إسحق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا وكثيرا ويولد له أثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم * وقد تكلمنا على هذا بما
تقدم والله أعلم.
فقوله تعالى (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده.
ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا) [ الانعام: 84 ] وقال تعالى (فلما اعتزلهم وما
__________
(1) قال الطبري: التحناذ: الانضاج.
(2) كذا في النسخ المطبوعة يودون ; وما في قصص ابن كثير يرون وهو مناسب أكثر.
(3) في المسعودي: عشرين ومائة سنة وفي الطبري 120 سنة.
[ * ]
ولهذا قالت (إن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) [ هود: 72 - 73 ] وكذلك تعجب ابراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون.
قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين) [ الحجر: 55 54 ] أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) [ الحجر: 53 ].
وهو اسحق وأخوه اسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر.
وقال في الآية الاخرى (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو اسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده.
وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ، وهو المشوي (1)، رغيفا من مكة فيه ثلاثة أكيال وسمن ولبن.
وعندهم أنهم أكلوا، وهذا غلط محض * وقيل كانوا يودون (2) أنهم يأكلون والطعام يتلاشى في الهواء.
وعندهم أن الله تعالى قال لابراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه، فخر ابراهيم على وجهه - يعني ساجدا - وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة (3) يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة.
وقال ابراهيم لله تعالى ليت إسماعيل يعيش قدامك فقال الله لابراهيم بحقي ان امرأتك سارة تلد لك غلاما وتدعو اسمه إسحق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا وكثيرا ويولد له أثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم * وقد تكلمنا على هذا بما
تقدم والله أعلم.
فقوله تعالى (فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب) دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها إسحاق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده.
ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل إسحق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهما يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا) [ الانعام: 84 ] وقال تعالى (فلما اعتزلهم وما
__________
(1) قال الطبري: التحناذ: الانضاج.
(2) كذا في النسخ المطبوعة يودون ; وما في قصص ابن كثير يرون وهو مناسب أكثر.
(3) في المسعودي: عشرين ومائة سنة وفي الطبري 120 سنة.
[ * ]
(1/186)
يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب) [ مريم: 49 ] وهذا ان شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين (1)
من حديث سليمان بن مهران الاعمش، عن إبراهيم بن يزيد
التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: قلت يا رسول الله
أي مسجد وضع [ في الارض ] (2) أول ؟ قال: " المسجد
الحرام " قلت: ثم أي ؟ قال: " المسجد
الاقصى ".
قلت كم بينهما ؟ قال: " أربعون سنة " قلت: ثم أي ؟ قال: " ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد ".
وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الاقصى وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله * وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود اسحق لان إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام.
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس من تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم.
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون.
ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من
شئ في الارض ولا في السماء.
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق إن ربي لسميع الدعاء.
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) [ ابراهيم: 35 - 41 ].
وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) [ الحج: 26 - 27 ] وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه.
بناء البيت العتيق
قال الله تعالى (وإذ بوءنا لابراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود.
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) [ الحج: 26 - 27 ] وقال تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا.
ولله على الناس حج البيت من
__________
(1) في صحيح مسلم (5) كتاب المساجد ح 1 / 520 ص 1 / 370.
والبخاري ح رقم 1589.
(2) من مسلم.
وأول: بضم اللام، وهي ضمة بناء، لقطعه عن الاضافة.
مثل قبل وبعد.
والتقدير أول كل شئ.
[ * ]
قلت كم بينهما ؟ قال: " أربعون سنة " قلت: ثم أي ؟ قال: " ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد ".
وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الاقصى وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله * وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود اسحق لان إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الاصنام.
رب إنهن أضللن كثيرا من الناس من تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم.
ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم.
ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون.
ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من
شئ في الارض ولا في السماء.
الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق إن ربي لسميع الدعاء.
رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) [ ابراهيم: 35 - 41 ].
وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي) [ الحج: 26 - 27 ] وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواعه وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه.
بناء البيت العتيق
قال الله تعالى (وإذ بوءنا لابراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود.
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) [ الحج: 26 - 27 ] وقال تعالى (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.
فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا.
ولله على الناس حج البيت من
__________
(1) في صحيح مسلم (5) كتاب المساجد ح 1 / 520 ص 1 / 370.
والبخاري ح رقم 1589.
(2) من مسلم.
وأول: بضم اللام، وهي ضمة بناء، لقطعه عن الاضافة.
مثل قبل وبعد.
والتقدير أول كل شئ.
[ * ]
(1/187)
استطاع إليه سببلا.
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [ آل عمران: 96 - 97 ] وقال تعالى (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن.
قال إني جاعلك للناس اماما.
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.
واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود.
وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير.
واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) [ البقرة: 124 - 126 ].
يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله، إمام الحنفاء ووالد الانبياء [ إبراهيم ] عليه أفضل صلاة وتسليم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي ارشده إليه ودله عليه * وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عزوجل.
وقد قدمنا في صفة خلق السموات أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها وكذلك معابد السموات السبع، كما قال بعض السلف إن في كل سماء بيتا يعبد الله فيه أهل كل سماء وهو فيها كالكعبة لاهل الارض فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني له بيتا يكون لاهل الارض كتلك المعابد لملائكة السموات وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السموات والارض كما ثبت في الصحيحين (1): " أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ".
ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام * ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر لان المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الانبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم * وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له: قد طفنا قبلك بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين (2) يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الاخبار عن بني اسرائيل * وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة.
وقد قال الله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) [ آل عمران: 96 ] أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة * قيل مكة وقيل محل الكعبة (فيه آيات بينات) [ آل عمران - 97 ] أي على أنه بناء الخليل والد الانبياء من بعده
__________
(1) مسلم في 15 كتاب الحج 81 - 82 تحريم مكة ح 445 / 1353 ص 2 / 986 من طريق مجاهد عن طاوس عن ابن عباس.
والبخاري حديث رقم 710.
(2) في الطبري: أسبوعا.
وفي تاريخ مكة للازرقي فكالاصل.
[ * ]
ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) [ آل عمران: 96 - 97 ] وقال تعالى (وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن.
قال إني جاعلك للناس اماما.
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.
واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود.
وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فامتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير.
واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) [ البقرة: 124 - 126 ].
يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله، إمام الحنفاء ووالد الانبياء [ إبراهيم ] عليه أفضل صلاة وتسليم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي ارشده إليه ودله عليه * وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عزوجل.
وقد قدمنا في صفة خلق السموات أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها وكذلك معابد السموات السبع، كما قال بعض السلف إن في كل سماء بيتا يعبد الله فيه أهل كل سماء وهو فيها كالكعبة لاهل الارض فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني له بيتا يكون لاهل الارض كتلك المعابد لملائكة السموات وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السموات والارض كما ثبت في الصحيحين (1): " أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والارض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ".
ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام * ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر لان المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الانبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم * وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له: قد طفنا قبلك بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين (2) يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الاخبار عن بني اسرائيل * وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة.
وقد قال الله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين) [ آل عمران: 96 ] أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة * قيل مكة وقيل محل الكعبة (فيه آيات بينات) [ آل عمران - 97 ] أي على أنه بناء الخليل والد الانبياء من بعده
__________
(1) مسلم في 15 كتاب الحج 81 - 82 تحريم مكة ح 445 / 1353 ص 2 / 986 من طريق مجاهد عن طاوس عن ابن عباس.
والبخاري حديث رقم 710.
(2) في الطبري: أسبوعا.
وفي تاريخ مكة للازرقي فكالاصل.
[ * ]
(1/188)
وإمام الحنفاء من ولده (1) الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال (مقام إبراهيم) أي الحجر الذي
كان يقف عليه قائما لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور
ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء كما تقدم في حديث ابن عباس الطويل.
وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى (2) فأنزل الله (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) [ البقرة: 135 ] وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الاسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة.
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق لبر في حراء ونازل (3) وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذ اكتنفوه بالضحى والاصائل وموطئ ابراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة ولهذا قال تعالى (وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) أي في حال قولهما (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) [ البقرة: 128 ] فهما في غاية الاخلاص والطاعة لله عزوجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) [ البقره: 128 ].
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لاهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الاشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرما محرما وآمنا
محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) [ العنكبوت: 67 ] وقال تعالى (أو لم نمكن لهم حرمنا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا) [ القصص: 57 ] وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الاولى والاخرى.
وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به
__________
(1) قال مجاهد في قوله تعالى: (فيه آيات بينات): أثر قدميه في المقام.
(2) رواه البخاري في صحيحه: فتح الباري 8 / 128 وأحمد في مسنده وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 / 118 ورواه ابن كثير في تفسيره مطولا.
(3) ثور: الجبل الذي فيه الغار، وقال الجوهري: جبل بمكة.
[ * ]
وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام ابراهيم مصلى (2) فأنزل الله (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى) [ البقرة: 135 ] وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الاسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة.
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق لبر في حراء ونازل (3) وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذ اكتنفوه بالضحى والاصائل وموطئ ابراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا منتعلة ولهذا قال تعالى (وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت وإسماعيل) أي في حال قولهما (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) [ البقرة: 128 ] فهما في غاية الاخلاص والطاعة لله عزوجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم) [ البقره: 128 ].
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لاهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الاشجار والزروع والثمار، وأن يجعله حرما محرما وآمنا
محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم) [ العنكبوت: 67 ] وقال تعالى (أو لم نمكن لهم حرمنا آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا) [ القصص: 57 ] وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة، لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة الاولى والاخرى.
وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به
__________
(1) قال مجاهد في قوله تعالى: (فيه آيات بينات): أثر قدميه في المقام.
(2) رواه البخاري في صحيحه: فتح الباري 8 / 128 وأحمد في مسنده وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 / 118 ورواه ابن كثير في تفسيره مطولا.
(3) ثور: الجبل الذي فيه الغار، وقال الجوهري: جبل بمكة.
[ * ]
(1/189)
أنبياءه ورسله وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحدا قبله
وعم بدعوته أهل الارض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم في سائر الاقطار
والامصار والاعصار إلى يوم القيامة.
كان هذا من خصائصه من بين سائر الانبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده (1) وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق ابراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لاهل الارض أن يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات، ورفيع الدرجات، عند البيت المعمور الذي هو كعبة أهل السماء السابعة، المبارك المبرور، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه.
ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور، وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بناية البيت وما ورد في ذلك من الاخبار والآثار بما فيه كفاية فمن أراده فليراجعه ثم ولله الحمد.
فمن ذلك ما قال السدي لما أمر الله إبراهيم واسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول واتبعاها بالمعاول يحفران، حتى وضعا الاساس، وذلك حين يقول تعالى
(وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) [ الحج: 26 ] فلما بلغا القواعد بنيا الركن قال ابراهيم لاسماعيل يا بني اطلب لي [ حجرا حسنا أضعه هاهنا وقال: يا أبت إني كسلان تعب.
قال: على ذلك فانطلق.
وجاءه جبريل بالحجر ] (3) الاسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة (3) وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن.
فقال يا أبتي من جاءك بهذا ؟ قال: جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الله: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل (4) وأن ذا القرنين وكان ملك الارض إذ ذاك مر بهما وهما يبنيانه فقال من أمركما بهذا فقال إبراهيم: الله أمرنا به فقال وما يدريني بما تقول فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق.
وذكر الازرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت (5).
وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه
__________
(1) محتده: أصله ونسبه.
(2) ما بين معكوفين سقطت من النسخ المطبوعة، واستدركناها - كما يقتضي السياق - من قصص الانبياء لابن كثير وفي رواية الازرقي: أن إسماعيل ذهب يطوف في الجبال..وفي رواية أخرى: ان إسماعيل اتاه بحجر فلم يرضه إبراهيم فجاءه جبريل بهذا الحجر.
وعن عبد الله بن عمرو أن جبريل جاء بالحجر من الجنة.
(3) في الاصول النعامة وهو تحريف والصواب الثغامة: وهو نبات أبيض.
(4) في تاريخ مكة: قال قتادة ذكر لنا انه بناه من خمسة أجبل: من طور سيناء، وطور زيتا ولبنان والجودي وحرا.
1 / 63.
(5) تاريخ مكة 1 / 74.
[ * ]
كان هذا من خصائصه من بين سائر الانبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده (1) وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق ابراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لاهل الارض أن يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات، ورفيع الدرجات، عند البيت المعمور الذي هو كعبة أهل السماء السابعة، المبارك المبرور، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه.
ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور، وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بناية البيت وما ورد في ذلك من الاخبار والآثار بما فيه كفاية فمن أراده فليراجعه ثم ولله الحمد.
فمن ذلك ما قال السدي لما أمر الله إبراهيم واسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الاول واتبعاها بالمعاول يحفران، حتى وضعا الاساس، وذلك حين يقول تعالى
(وإذ بوأنا لابراهيم مكان البيت) [ الحج: 26 ] فلما بلغا القواعد بنيا الركن قال ابراهيم لاسماعيل يا بني اطلب لي [ حجرا حسنا أضعه هاهنا وقال: يا أبت إني كسلان تعب.
قال: على ذلك فانطلق.
وجاءه جبريل بالحجر ] (3) الاسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة (3) وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن.
فقال يا أبتي من جاءك بهذا ؟ قال: جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الله: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل (4) وأن ذا القرنين وكان ملك الارض إذ ذاك مر بهما وهما يبنيانه فقال من أمركما بهذا فقال إبراهيم: الله أمرنا به فقال وما يدريني بما تقول فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق.
وذكر الازرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت (5).
وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه
__________
(1) محتده: أصله ونسبه.
(2) ما بين معكوفين سقطت من النسخ المطبوعة، واستدركناها - كما يقتضي السياق - من قصص الانبياء لابن كثير وفي رواية الازرقي: أن إسماعيل ذهب يطوف في الجبال..وفي رواية أخرى: ان إسماعيل اتاه بحجر فلم يرضه إبراهيم فجاءه جبريل بهذا الحجر.
وعن عبد الله بن عمرو أن جبريل جاء بالحجر من الجنة.
(3) في الاصول النعامة وهو تحريف والصواب الثغامة: وهو نبات أبيض.
(4) في تاريخ مكة: قال قتادة ذكر لنا انه بناه من خمسة أجبل: من طور سيناء، وطور زيتا ولبنان والجودي وحرا.
1 / 63.
(5) تاريخ مكة 1 / 74.
[ * ]
(1/190)
اليوم * وفي
الصحيحين من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر
بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال " ألم تري إلى قومك حين بنوا الكعبة
اقتصروا عن قواعد ابراهيم " فقلت:
يا رسول الله ألا تردها على قواعد ابراهيم ؟ فقال:
" لولا حدثان
قومك " وفي رواية: " لولا أن قومك حديث (1) عهد بجاهلية " - أو قال بكفر - لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالارض ولادخلت فيها الحجر " (2) * وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين عنه فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الاحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين، ندموا على ما فعلوا، وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك * ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور، استشار الامام مالك بن أنس، في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير، فقال له: إني أخشى أن يتخذها الملوك لعبة - يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد - فاستقر الامر على ما هي عليه اليوم.
ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله ابراهيم
قال الله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما.
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [ البقرة: 124 ].
ولما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماما يقتدون به ويأتمون بهديه وسأل الله أن يكون هذه الامامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه فأجيب إلى ما سأل ورام.
وسلمت إليه الامامة بزمام واستثني من نيلها الظالمون واختص بها من ذريته العلماء العاملون.
كما قال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب.
وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب.
وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) [ العنكبوت: 27 ] * وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين.
وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين.
واسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين.
ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط
__________
(1) في البخاري: حديثو.
(2) أخرجه البخاري في 25 / 42 / 1573 فتح الباري وبرواية أخرى في 60 / 10 / 3368 فتح الباري ورواه مسلم في صحيحه 15 / 69 / 1333 ورواه النسائي وأبو داود والترمذي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده 6 / 113 - 177 - 247.
[ * ]
قومك " وفي رواية: " لولا أن قومك حديث (1) عهد بجاهلية " - أو قال بكفر - لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالارض ولادخلت فيها الحجر " (2) * وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين عنه فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الاحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين، ندموا على ما فعلوا، وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك * ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور، استشار الامام مالك بن أنس، في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير، فقال له: إني أخشى أن يتخذها الملوك لعبة - يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد - فاستقر الامر على ما هي عليه اليوم.
ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله ابراهيم
قال الله (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما.
قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [ البقرة: 124 ].
ولما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماما يقتدون به ويأتمون بهديه وسأل الله أن يكون هذه الامامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه فأجيب إلى ما سأل ورام.
وسلمت إليه الامامة بزمام واستثني من نيلها الظالمون واختص بها من ذريته العلماء العاملون.
كما قال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب.
وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب.
وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين) [ العنكبوت: 27 ] * وقال تعالى (ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين.
وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين.
واسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين.
ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط
__________
(1) في البخاري: حديثو.
(2) أخرجه البخاري في 25 / 42 / 1573 فتح الباري وبرواية أخرى في 60 / 10 / 3368 فتح الباري ورواه مسلم في صحيحه 15 / 69 / 1333 ورواه النسائي وأبو داود والترمذي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده 6 / 113 - 177 - 247.
[ * ]
(1/191)
مستقيم) [ الانعام:
84 - 87 ] فالضمير في قوله ومن ذريته عائد على إبراهيم
على المشهور.
ولوط وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبا.
وهذا هو الحامل للقائل الآخر إن الضمير على نوح كما قدمنا في قصته والله أعلم.
وقال تعالى (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) [ الحديد: 26 ] الآية.
فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الانبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته.
وهذه خلعة سنية لا تضاهي ومرتبة عليه لا تباهى.
وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان اسمعيل من هاجر ثم إسحق من سارة وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم فكانت فيهم النبوة وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني اسرائيل وأما اسمعيل عليه السلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولم يوجد من سلالته من الانبياء سوى خاتمهم على الاطلاق وسيدهم وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة والدرة الزاهرة وواسطه العقد الفاخرة وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ويغبطه الاولون والآخرون يوم القيامة.
وقد ثبت عنه في صحيح مسلم كما سنورده أنه قال: " سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق كلهم حتى ابراهيم " (1) فمدح ابراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: " أن أباكما كان يعوذ بهما اسمعيل وإسحق.
أعوذ بكلمات الله التامة.
من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ".
ورواه أهل السنن (1) من حديث منصور به وقال تعالى (وإذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهن يأتينك سعيا.
وأعلم أن الله عزيز حكيم) [ البقرة: 260 ] ذكر المفسرون لهذا السؤال اسبابا بسطناها في التفسير (2).
وقررناها بأتم تقرير * والحاصل أن الله عز وجل أجابه إلى ما سأل فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور واختلفوا في تعينها على أقوال (3) والمقصود
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه 60 / 337110 فتح الباري ; وفي كتاب خلق أفعال العباد بروايات متعددة ; وأحمد في مسنده (2 / 181 - 290 - 375، 5 / 430، 6 / 6) ورواه الترمذي وأبو داود والدارمي ومالك في الموطأ.
(2) راجع تفسير ابن كثير الجزء الاول.
تفسير سورة البقرة.
(3) قال ابن إسحاق هي: الديك والطاووس والحمام والغراب وقال ابن عباس: الكركي والنسر بدل الحمام والغراب.
[ * ]
ولوط وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبا.
وهذا هو الحامل للقائل الآخر إن الضمير على نوح كما قدمنا في قصته والله أعلم.
وقال تعالى (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب) [ الحديد: 26 ] الآية.
فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الانبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته.
وهذه خلعة سنية لا تضاهي ومرتبة عليه لا تباهى.
وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان اسمعيل من هاجر ثم إسحق من سارة وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم فكانت فيهم النبوة وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني اسرائيل وأما اسمعيل عليه السلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولم يوجد من سلالته من الانبياء سوى خاتمهم على الاطلاق وسيدهم وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة والدرة الزاهرة وواسطه العقد الفاخرة وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ويغبطه الاولون والآخرون يوم القيامة.
وقد ثبت عنه في صحيح مسلم كما سنورده أنه قال: " سأقوم مقاما يرغب إلى الخلق كلهم حتى ابراهيم " (1) فمدح ابراهيم أباه مدحة عظيمة في هذا السياق ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق.
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: " أن أباكما كان يعوذ بهما اسمعيل وإسحق.
أعوذ بكلمات الله التامة.
من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ".
ورواه أهل السنن (1) من حديث منصور به وقال تعالى (وإذ قال ابراهيم رب أرني كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهن يأتينك سعيا.
وأعلم أن الله عزيز حكيم) [ البقرة: 260 ] ذكر المفسرون لهذا السؤال اسبابا بسطناها في التفسير (2).
وقررناها بأتم تقرير * والحاصل أن الله عز وجل أجابه إلى ما سأل فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور واختلفوا في تعينها على أقوال (3) والمقصود
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه 60 / 337110 فتح الباري ; وفي كتاب خلق أفعال العباد بروايات متعددة ; وأحمد في مسنده (2 / 181 - 290 - 375، 5 / 430، 6 / 6) ورواه الترمذي وأبو داود والدارمي ومالك في الموطأ.
(2) راجع تفسير ابن كثير الجزء الاول.
تفسير سورة البقرة.
(3) قال ابن إسحاق هي: الديك والطاووس والحمام والغراب وقال ابن عباس: الكركي والنسر بدل الحمام والغراب.
[ * ]
(1/192)
حاصل على كل تقدير فأمره أن يمزق لحومهن وريشهن ويخلط
ذلك بعضه في بعض ثم يقسمه قسما ويجعل على كل جبل منهن جزأ ففعل ما أمر به ثم أمر
أن يدعوهن بإذن ربهن فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه وكل ريشة تأتي إلى
أختها حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشئ كن
فيكون فآتين إليه سعيا ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا * ويقال إنه أمر أن يأخذ رؤوسهن في يده
فجعل كل طائر يأتي فيلقي رأسه فيتركب على جثته كما كان فلا إله إلا الله، وقد كان
إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينا لا يحتمل
النقيض، ولكن أحب أن يشاهد ذلك عيانا ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، فأجابه
الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله * وقال تعالى (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة
والانجيل الا من بعده أفلا تعقلون.
ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم
به علم.
فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.
إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) [ ال عمران: 65 - 68 ] ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله ((وما أنزلت التوراة والانجيل الا من بعده) أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ولهذا قال (أفلا تعقلون) إلى أن قال (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين).
فبين أنه كان على دين الله الحنيف وهو القصد إلى الاخلاص، والانحراف وعمدا عن الباطل، إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية.
كما قال تعالى (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين.
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي.
قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم واسمعيل واسحق إلها واحدا
__________
(1) اختلف الناس في سؤال إبراهيم ربه (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.
) هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟ فقال الجمهور: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة ; وقال الحسن: سأله ليزداد يقينا إلى يقينه.
والشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لاحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن إبراهيم ; والمتأمل سؤاله وسائر الفاظ الآية ; فالاستفهام بكيف إنما هو عن حالة شئ موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، فإنما السؤال عن حال من أحواله.
وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الاحياء، والاحياء متقرر.
قال الرازي: انه إنما سأل ذلك لقومه، والمقصود أن يشاهده فيزول الانكار عن قلوبهم.
(التفسير الكبير للرازي - القرطبي أحكام القرطبي في تفسير سورة البقرة).
[ * ]
ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم
به علم.
فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين.
إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) [ ال عمران: 65 - 68 ] ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله ((وما أنزلت التوراة والانجيل الا من بعده) أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ولهذا قال (أفلا تعقلون) إلى أن قال (ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين).
فبين أنه كان على دين الله الحنيف وهو القصد إلى الاخلاص، والانحراف وعمدا عن الباطل، إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية.
كما قال تعالى (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين.
ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي.
قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم واسمعيل واسحق إلها واحدا
__________
(1) اختلف الناس في سؤال إبراهيم ربه (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى.
) هل صدر من إبراهيم عن شك أم لا ؟ فقال الجمهور: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكا في إحياء الله الموتى قط وإنما طلب المعاينة ; وقال الحسن: سأله ليزداد يقينا إلى يقينه.
والشك فهو توقف بين أمرين لا مزية لاحدهما على الآخر، وذلك هو المنفي عن إبراهيم ; والمتأمل سؤاله وسائر الفاظ الآية ; فالاستفهام بكيف إنما هو عن حالة شئ موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول، فإنما السؤال عن حال من أحواله.
وكيف هنا إنما هي استفهام عن هيئة الاحياء، والاحياء متقرر.
قال الرازي: انه إنما سأل ذلك لقومه، والمقصود أن يشاهده فيزول الانكار عن قلوبهم.
(التفسير الكبير للرازي - القرطبي أحكام القرطبي في تفسير سورة البقرة).
[ * ]
(1/193)
ونحن له مسلمون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما
كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون.
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد أهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.
صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون.
قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون.
أم يقولون إن ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط كانوا هودا أو نصارى قل أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) [ البقرة: 130 - 140 ].
فنزه الله عزوجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين ولهذا قال تعالى (إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه) [ آل عمران: 68 ].
يعني الذين كانوا على ملته من اتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم (وهذا النبي) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل وكمله الله تعالى له وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا قبله.
كما قال تعالى (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) [ الانعام: 161 - 163 ] وقال تعالى (إن ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين.
شاكرا لانعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.
وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
ثم أوحينا اليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) [ النحل: 120 - 123 ].
وقال البخاري حدثنا ابراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسمعيل بإيديهما الازلام فقال قاتلهم الله والله إن (1) يستقسما بالازلام قط (2) لم يخرجه
مسلم * وفي بعض ألفاظ البخاري قاتلهم الله لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط (3).
فقوله (أمة) أي قدوة إماما مهتديا داعيا إلى الخير يقتدى به فيه (قانتا لله) أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته (حنيفا) أي مخلصا على بصيرة (ولم يك من المشركين.
شاكرا
__________
(1) أي لم يستقسما بالازلام قط، وإن هنا نافية.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 60 / 8 / 3352 فتح الباري، وأخرجه أبو داود في سننه (1 / 467 حلبي) وفيه: ما استقسما بها قط.
وأخرجه أحمد في مسنده 1 / 334 - 365.
(3) في الصحيح 25 / 54 / 1601 فتح الباري عن ابن عباس وفيه: لم يستقسما بها قط.
[ * ]
وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى ابراهيم واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد أهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.
صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون.
قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون.
أم يقولون إن ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب والاسباط كانوا هودا أو نصارى قل أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون) [ البقرة: 130 - 140 ].
فنزه الله عزوجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين ولهذا قال تعالى (إن أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه) [ آل عمران: 68 ].
يعني الذين كانوا على ملته من اتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم (وهذا النبي) يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل وكمله الله تعالى له وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا قبله.
كما قال تعالى (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين.
قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) [ الانعام: 161 - 163 ] وقال تعالى (إن ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين.
شاكرا لانعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.
وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين.
ثم أوحينا اليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) [ النحل: 120 - 123 ].
وقال البخاري حدثنا ابراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسمعيل بإيديهما الازلام فقال قاتلهم الله والله إن (1) يستقسما بالازلام قط (2) لم يخرجه
مسلم * وفي بعض ألفاظ البخاري قاتلهم الله لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط (3).
فقوله (أمة) أي قدوة إماما مهتديا داعيا إلى الخير يقتدى به فيه (قانتا لله) أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته (حنيفا) أي مخلصا على بصيرة (ولم يك من المشركين.
شاكرا
__________
(1) أي لم يستقسما بالازلام قط، وإن هنا نافية.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه 60 / 8 / 3352 فتح الباري، وأخرجه أبو داود في سننه (1 / 467 حلبي) وفيه: ما استقسما بها قط.
وأخرجه أحمد في مسنده 1 / 334 - 365.
(3) في الصحيح 25 / 54 / 1601 فتح الباري عن ابن عباس وفيه: لم يستقسما بها قط.
[ * ]
(1/194)
لانعمه) أي
قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله (اجتباه) أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته
واتخذه خليلا وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة وقال تعالى (ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ
الله ابراهيم خليلا) [ النساء:
125 ].
يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه السلام لانه كان على الدين القويم والصراط المستقيم.
وقد قام بجميع ما أمره به ربه، ومدحه تعالى بذلك فقال (وابراهيم الذي وفى) [ النجم - 27 ] ولهذا اتخذه الله خليلا والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم.
قد تخللت مسلك الروح مني * وبذا سمي الخليل خليلا وهكذا نال هذه المنزلة (1) خاتم الانبياء وسيد الرسل (2) محمد صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي وعبد الله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيها الناس إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ".
وقال أيضا في آخر خطبة خطبها: " أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الارض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " (3).
أخرجاه من حديث أبي سعيد وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود.
وروى البخاري في صحيحه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون قال إن معاذا لما قدم اليمن صلى
بهم الصبح فقرأ: واتخذ الله إبراهيم خليلا.
فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم * وقال ابن مردويه حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا اسمعيل بن أحمد ابن أسيد، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة، حدثنا عبد الله الحنفي، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة ابن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله * وقال آخر ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما.
وقال آخر فعيسى روح الله وكلمته.
وقال آخر آدم اصطفاه الله.
فخرج عليهم فسلم وقال: " قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى كليمه وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك.
ألا وإني حبيب الله ولا فخر ألا وإني أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي
__________
(1) وفي نسخة: المرتبة.
(2) وفي نسخة: المرسلين.
(3) أخرجه البخاري في 63 / 45 / 1904 فتح الباري و 62 / 5 / 3656 في رواية طويلة والدارمي في سننه، وابن ماجة في سننه مقدمه 11 / 93، وأحمد في مسنده 1 / 270 - 359، 3 / 18 - 478، 4 / 4 - 5، 5 / 212.
وأخرجه الترمذي ومسلم في 44 / 1 / 2 / 7.
[ * ]
يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه السلام لانه كان على الدين القويم والصراط المستقيم.
وقد قام بجميع ما أمره به ربه، ومدحه تعالى بذلك فقال (وابراهيم الذي وفى) [ النجم - 27 ] ولهذا اتخذه الله خليلا والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم.
قد تخللت مسلك الروح مني * وبذا سمي الخليل خليلا وهكذا نال هذه المنزلة (1) خاتم الانبياء وسيد الرسل (2) محمد صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي وعبد الله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أيها الناس إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ".
وقال أيضا في آخر خطبة خطبها: " أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الارض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله " (3).
أخرجاه من حديث أبي سعيد وثبت أيضا من حديث عبد الله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود.
وروى البخاري في صحيحه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون قال إن معاذا لما قدم اليمن صلى
بهم الصبح فقرأ: واتخذ الله إبراهيم خليلا.
فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم * وقال ابن مردويه حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، حدثنا اسمعيل بن أحمد ابن أسيد، حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة، حدثنا عبد الله الحنفي، حدثنا زمعة بن صالح، عن سلمة ابن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله * وقال آخر ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما.
وقال آخر فعيسى روح الله وكلمته.
وقال آخر آدم اصطفاه الله.
فخرج عليهم فسلم وقال: " قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى كليمه وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك.
ألا وإني حبيب الله ولا فخر ألا وإني أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي
__________
(1) وفي نسخة: المرتبة.
(2) وفي نسخة: المرسلين.
(3) أخرجه البخاري في 63 / 45 / 1904 فتح الباري و 62 / 5 / 3656 في رواية طويلة والدارمي في سننه، وابن ماجة في سننه مقدمه 11 / 93، وأحمد في مسنده 1 / 270 - 359، 3 / 18 - 478، 4 / 4 - 5، 5 / 212.
وأخرجه الترمذي ومسلم في 44 / 1 / 2 / 7.
[ * ]
(1/195)
فقراء المؤمنين وأنا أكرم الاولين والآخرين يوم القيامة
ولا فخر " * هذا حديث غريب من هذا الوجه وله شواهد من وجوه أخر والله أعلم (1)
* وروى الحاكم في مستدركه من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن
عباس قال أتنكرون أن تكون الخلة لابراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين * وقال ابن أبي
حاتم حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد المسلمي، حدثنا الوليد، عن اسحاق بن بشار (2)
قال: لما اتخذ الله
ابراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى أن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد، كما يسمع
خفقان الطير في الهواء، وقال عبيد بن عمير كان إبراهيم
عليه السلام يضيف الناس، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد احدا يضيفه، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال: يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني قال دخلتها بأذن ربها * قال: ومن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بان الله قد اتخذه خليلا قال: من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذلك العبد أنت ! قال: أنا، قال: نعم قال: فبم اتخذني ربي خليلا قال بأنك تعطي الناس ولا تسألهم.
رواه ابن أبي حاتم * وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له فقيل إنه مذكور في خمسة وثلاثين (3) موضعا منها خمسة عشر في البقرة وحدها وهو أحد أولي العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم تخصيصا من بين سائر الانبياء في آيتي الاحزاب والشورى وهما قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) [ الاحزاب: 7 ] وقوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه) [ الشورى: 13 ] الآية.
ثم هو أشرف أولي العزم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي وجده عليه السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
وما وقع في حديث شريك ابن أبي نمير عن أنس في حديث الاسراء من أن ابراهيم في السادسة وموسى في السابعة فمما انتقد على شريك في هذا الحديث والصحيح الاول.
__________
(1) أخرج القسم الاخير منه البيهقي بروايات مختلفة راجع دلائل النبوة ج 5 / 478 وما بعدها.
(2) بشار تحريف والصواب يسار.
(3) ذكر اسم إبراهيم في القرآن في: البقرة: 124 - 125 - 126 - 127 - 130 - 132 - 133 - 135 - 136 - 140 - 258 - 260، وآل عمران: 33 - 35 - 67 - 68 - 84 - 95 - 97، النساء: 54 - 125 - 163، الانعام: 74 - 75 - 83 - 151، التوبة: 70 - 114، هود: 69 - 74 - 75 - 83 - 151، يوسف: 6 - 38، ابراهيم: 36، الحجر: 51، النحل: 120 - 123 -، مريم: 41 - 46 - 58، الانبياء: 51 - 60 -
62 - 69.
الحج: 26 - 43 - 78.
الشعراء: 69، العنكبوت: 16 - 31، الاحزاب: 7، الصافات: 83 - 104 - 109 ص: 45، الشورى: 13، الزخرف: 26، الذاريات: 24، النجم: 37، الحديد: 26، الممتحنة: 4، الاعلى: 19.
[ * ]
عليه السلام يضيف الناس، فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد احدا يضيفه، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال: يا عبد الله ما أدخلك داري بغير إذني قال دخلتها بأذن ربها * قال: ومن أنت ؟ قال: أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بان الله قد اتخذه خليلا قال: من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت، قال: ذلك العبد أنت ! قال: أنا، قال: نعم قال: فبم اتخذني ربي خليلا قال بأنك تعطي الناس ولا تسألهم.
رواه ابن أبي حاتم * وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له فقيل إنه مذكور في خمسة وثلاثين (3) موضعا منها خمسة عشر في البقرة وحدها وهو أحد أولي العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم تخصيصا من بين سائر الانبياء في آيتي الاحزاب والشورى وهما قوله تعالى (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) [ الاحزاب: 7 ] وقوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه) [ الشورى: 13 ] الآية.
ثم هو أشرف أولي العزم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي وجده عليه السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.
وما وقع في حديث شريك ابن أبي نمير عن أنس في حديث الاسراء من أن ابراهيم في السادسة وموسى في السابعة فمما انتقد على شريك في هذا الحديث والصحيح الاول.
__________
(1) أخرج القسم الاخير منه البيهقي بروايات مختلفة راجع دلائل النبوة ج 5 / 478 وما بعدها.
(2) بشار تحريف والصواب يسار.
(3) ذكر اسم إبراهيم في القرآن في: البقرة: 124 - 125 - 126 - 127 - 130 - 132 - 133 - 135 - 136 - 140 - 258 - 260، وآل عمران: 33 - 35 - 67 - 68 - 84 - 95 - 97، النساء: 54 - 125 - 163، الانعام: 74 - 75 - 83 - 151، التوبة: 70 - 114، هود: 69 - 74 - 75 - 83 - 151، يوسف: 6 - 38، ابراهيم: 36، الحجر: 51، النحل: 120 - 123 -، مريم: 41 - 46 - 58، الانبياء: 51 - 60 -
62 - 69.
الحج: 26 - 43 - 78.
الشعراء: 69، العنكبوت: 16 - 31، الاحزاب: 7، الصافات: 83 - 104 - 109 ص: 45، الشورى: 13، الزخرف: 26، الذاريات: 24، النجم: 37، الحديد: 26، الممتحنة: 4، الاعلى: 19.
[ * ]
(1/196)
وقال أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، حدثنا أبو سملة، عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن
اسحق بن ابراهيم خليل الرحمن ".
تفرد به احمد (1).
ثم مما يدل على أن إبراهيم أفضل من موسى الحديث الذي قال فيه: " وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم " رواه مسلم (2) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.
وهذا هو المقام المحمود الذي أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " ثم ذكر إستشفاع الناس بآدم ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى فكلهم يحيد عنها حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول: " أنا لها أنا لها " الحديث.
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عبد الله، حدثني سعيد (3) عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله من أكرم (4) الناس ؟ قال: " أتقاهم ".
قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: " فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله ".
قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: " فعن معادن (5) العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا " (6) وهكذا رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طريق عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به * ثم قال البخاري قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد أسنده في موضع آخر من حديثهما وحديث عبدة ابن سليمان والنسائي من حديث محمد بن بشر أربعتهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم
يوسف بن يعقوب بن اسحق ابن ابراهيم خليل الله ".
تفرد به أحمد * وقال البخاري حدثنا عبدة حدثنا عبد الصمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكريم ابن الكريم
__________
(1) مسند أحمد ج 2 / 322.
وأخرج بنحوه البخاري 6 / 19 / 3290 وأحمد من رواية ابن عمر 2 / 96.
(2) أخرجه مسلم في 6 / 48 / 273 من حديث طويل ج 1 / 561 - 562.
وأخرجه أحمد في مسنده ج 5 / 127 - 129.
(3) في البخاري:.
حدثنا عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، وعبيدالله هو - بن سعيد.
(4) أكرم الناس: قال العلماء: أصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف صلى الله عليه وسلم مكارم الاخلاق مع شرف النبوة مع شرف النسب وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين ; وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه وسياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة.
(5) معادن العرب: أصولها.
(6) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (60) - باب 14 ح 3374.
ومسلم في 43 / كتاب الفضائل - 43 باب ح 168 / 2378 ص 4 / 1846.
[ * ]
تفرد به احمد (1).
ثم مما يدل على أن إبراهيم أفضل من موسى الحديث الذي قال فيه: " وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم " رواه مسلم (2) من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه.
وهذا هو المقام المحمود الذي أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله: " أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر " ثم ذكر إستشفاع الناس بآدم ثم بنوح ثم ابراهيم ثم موسى ثم عيسى فكلهم يحيد عنها حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول: " أنا لها أنا لها " الحديث.
قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا عبد الله، حدثني سعيد (3) عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله من أكرم (4) الناس ؟ قال: " أتقاهم ".
قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: " فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله ".
قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: " فعن معادن (5) العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهوا " (6) وهكذا رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طريق عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به * ثم قال البخاري قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد أسنده في موضع آخر من حديثهما وحديث عبدة ابن سليمان والنسائي من حديث محمد بن بشر أربعتهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم
يوسف بن يعقوب بن اسحق ابن ابراهيم خليل الله ".
تفرد به أحمد * وقال البخاري حدثنا عبدة حدثنا عبد الصمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الكريم ابن الكريم
__________
(1) مسند أحمد ج 2 / 322.
وأخرج بنحوه البخاري 6 / 19 / 3290 وأحمد من رواية ابن عمر 2 / 96.
(2) أخرجه مسلم في 6 / 48 / 273 من حديث طويل ج 1 / 561 - 562.
وأخرجه أحمد في مسنده ج 5 / 127 - 129.
(3) في البخاري:.
حدثنا عبيد الله، عن سعيد بن أبي سعيد، وعبيدالله هو - بن سعيد.
(4) أكرم الناس: قال العلماء: أصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف صلى الله عليه وسلم مكارم الاخلاق مع شرف النبوة مع شرف النسب وكونه نبيا ابن ثلاثة أنبياء متناسلين ; وانضم إليه شرف علم الرؤيا وتمكنه فيه وسياسة الدنيا وملكها بالسيرة الجميلة.
(5) معادن العرب: أصولها.
(6) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (60) - باب 14 ح 3374.
ومسلم في 43 / كتاب الفضائل - 43 باب ح 168 / 2378 ص 4 / 1846.
[ * ]
(1/197)
ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب ابن اسحق بن
ابراهيم ".
تفرد به من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر به * فأما الحديث الذي رواه الامام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاة عراة غرلا فأول من يكسى إبراهيم عليه السلام " (1) ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده) [ الانبياء: 104 ] فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الافضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون * وأما الحديث الآخر الذي قال الامام أحمد حدثنا وكيع وأبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية
فقال: " ذاك ابراهيم " (2) فقد رواه مسلم من حديث الثوري وعبد الله بن إدريس وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل أربعتهم عن المختار بن فلفل * وقال الترمذي حسن صحيح * وهذا من باب الهضم والتواضع مع والده الخليل عليه السلام كما قال: " لا تفضلوني على الانبياء " وقال: " لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلى أم جوزي بصعقة الطور ؟ " * وهذا كله لا ينافي في ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة وكذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم (3) وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى ابراهيم ".
ولما كان ابراهيم عليه السلام أفضل الرسل وأولي العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أمر المصلي أن يقول في تشهده ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة وغيره قال: قلنا يارسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك " قال قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد " وقال تعالى (وإبراهيم الذي وفى) [ النجم: 37 ] قالوا وفي جميع ما أمر به وقام بجميع خصال الايمان وشعبه وكان لا يشغله مراعاة الامر الجليل عن القيام بمصلحة الامر القليل ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار.
قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن) [ البقرة: 124 ]
__________
(1) أخرجه البخاري في 60 كتاب المناقب باب (8) ح 3349 فتح الباري وأخرجه مسلم في صحيحه 51 / 14 / 58 ورواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده ج 5 / 3 والنسائي في سننه وأبو داود الطيالسي.
(2) أخرجه مسلم في 43 كتاب الفضائل 41 / 150 وأبو داود في سننه وأحمد في مسنده ج 3 / 178 - 184.
(3) تقدم التعليق فليراجع في موضعه.
(4) مسلم في 4 كتاب الصلاة 17 باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 66 / 406 ص 1 / 305 والحديث في البخاري رقم 1591.
[ * ]
تفرد به من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر به * فأما الحديث الذي رواه الامام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني مغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس حفاة عراة غرلا فأول من يكسى إبراهيم عليه السلام " (1) ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده) [ الانبياء: 104 ] فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الافضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الاولون والاخرون * وأما الحديث الآخر الذي قال الامام أحمد حدثنا وكيع وأبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية
فقال: " ذاك ابراهيم " (2) فقد رواه مسلم من حديث الثوري وعبد الله بن إدريس وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل أربعتهم عن المختار بن فلفل * وقال الترمذي حسن صحيح * وهذا من باب الهضم والتواضع مع والده الخليل عليه السلام كما قال: " لا تفضلوني على الانبياء " وقال: " لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلى أم جوزي بصعقة الطور ؟ " * وهذا كله لا ينافي في ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة وكذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم (3) وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى ابراهيم ".
ولما كان ابراهيم عليه السلام أفضل الرسل وأولي العزم بعد محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أمر المصلي أن يقول في تشهده ما ثبت في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة وغيره قال: قلنا يارسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك " قال قولوا اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل ابراهيم إنك حميد مجيد " وقال تعالى (وإبراهيم الذي وفى) [ النجم: 37 ] قالوا وفي جميع ما أمر به وقام بجميع خصال الايمان وشعبه وكان لا يشغله مراعاة الامر الجليل عن القيام بمصلحة الامر القليل ولا ينسيه القيام بأعباء المصالح الكبار عن الصغار.
قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن) [ البقرة: 124 ]
__________
(1) أخرجه البخاري في 60 كتاب المناقب باب (8) ح 3349 فتح الباري وأخرجه مسلم في صحيحه 51 / 14 / 58 ورواه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده ج 5 / 3 والنسائي في سننه وأبو داود الطيالسي.
(2) أخرجه مسلم في 43 كتاب الفضائل 41 / 150 وأبو داود في سننه وأحمد في مسنده ج 3 / 178 - 184.
(3) تقدم التعليق فليراجع في موضعه.
(4) مسلم في 4 كتاب الصلاة 17 باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم 66 / 406 ص 1 / 305 والحديث في البخاري رقم 1591.
[ * ]
(1/198)
قال إبتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد.
في الرأس قص الشارب والمضمضة والسواك والاستنشاق وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الاظفار وحلق العانة والختان ونتف الابط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
رواه ابن أبي حاتم * وقال وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك قلت: وفي الصحيحين (1) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط " وفي صحيح مسلم (2) وأهل السنن من حديث وكيع عن ذكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة العبدري المكي الحجبي عن طلق بن حبيب العتري عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عشر من الفطرة قص الشارب واعفاء اللحية والسواك وإستنشاق الماء وقص الاظفار وغسل البراجم (3) ونتف الابط وحلق العانة وإنتقاص الماء " - يعني الاستنجاء - وسيأتي في ذكر مقدار عمره الكلام على الختان * والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يشغله القيام بالاخلاص لله عزوجل وخشوع العبادة العظيمة عن مراعاة مصلحة بدنه وإعطاء كل عضو ما يستحقه من الاصلاح والتحسين وإزالة ما يشين من زيادة شعر أو ظفر أو وجود قلح (4) أو وسخ فهذا من جملة قوله تعالى في حقه من المدح العظيم (وإبراهيم الذي وفى).
قصره في الجنة
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي، ومحمد بن موسى القطان، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة قصرا أحسبه قال من لؤلؤة ليس فيه فصم ولا وهي أعده الله لخليله إبراهيم عليه السلام نزلا ".
قال البزار وحدثناه أحمد بن جميل المروزي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حماد بن سلمة فأسنده إلا يزيد بن هارون والنضر بن شميل، وغيرهما يرويه موقوفا.
قلت: لولا هذه العلة لكان على شرط
الصحيح.
ولم يخرجوه.
__________
(1) مسلم في صحيحه 2 كتاب الطهارة 16 باب خصال الفطرة ح 50 ص 1 / 222.
وفي البخاري ح رقم 2291 ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده.
(2) في 2 كتاب الطهارة 16 باب خصال الفطرة حديث 56 / 261 ص 1 / 223.
(3) البراجم: جمع برجمة وهي عقد الاصابع ومفاصلها كلها.
(4) قلح: صفرة الاسنان وسوادها.
[ * ]
في الرأس قص الشارب والمضمضة والسواك والاستنشاق وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الاظفار وحلق العانة والختان ونتف الابط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
رواه ابن أبي حاتم * وقال وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك قلت: وفي الصحيحين (1) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: " الفطرة خمس الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظفار ونتف الابط " وفي صحيح مسلم (2) وأهل السنن من حديث وكيع عن ذكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة العبدري المكي الحجبي عن طلق بن حبيب العتري عن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عشر من الفطرة قص الشارب واعفاء اللحية والسواك وإستنشاق الماء وقص الاظفار وغسل البراجم (3) ونتف الابط وحلق العانة وإنتقاص الماء " - يعني الاستنجاء - وسيأتي في ذكر مقدار عمره الكلام على الختان * والمقصود أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يشغله القيام بالاخلاص لله عزوجل وخشوع العبادة العظيمة عن مراعاة مصلحة بدنه وإعطاء كل عضو ما يستحقه من الاصلاح والتحسين وإزالة ما يشين من زيادة شعر أو ظفر أو وجود قلح (4) أو وسخ فهذا من جملة قوله تعالى في حقه من المدح العظيم (وإبراهيم الذي وفى).
قصره في الجنة
قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي، ومحمد بن موسى القطان، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة قصرا أحسبه قال من لؤلؤة ليس فيه فصم ولا وهي أعده الله لخليله إبراهيم عليه السلام نزلا ".
قال البزار وحدثناه أحمد بن جميل المروزي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
ثم قال: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حماد بن سلمة فأسنده إلا يزيد بن هارون والنضر بن شميل، وغيرهما يرويه موقوفا.
قلت: لولا هذه العلة لكان على شرط
الصحيح.
ولم يخرجوه.
__________
(1) مسلم في صحيحه 2 كتاب الطهارة 16 باب خصال الفطرة ح 50 ص 1 / 222.
وفي البخاري ح رقم 2291 ورواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده.
(2) في 2 كتاب الطهارة 16 باب خصال الفطرة حديث 56 / 261 ص 1 / 223.
(3) البراجم: جمع برجمة وهي عقد الاصابع ومفاصلها كلها.
(4) قلح: صفرة الاسنان وسوادها.
[ * ]
(1/199)
صفة ابراهيم عليه السلام
قال الامام أحمد حدثنا يونس وحجين قالا: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عرض علي الانبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت ابراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية.
تفرد به الامام أحمد من هذا الوجه وبهذا اللفظ (1) * وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر، حدثنا اسرائيل، عن عثمان - يعني ابن المغيرة - عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عيسى ابن مريم وموسى وابراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر - وأما موسى فآدم جسيم ".
قالوا له فابراهيم ؟ قال: " انظروا إلى صاحبكم " يعني نفسه * وقال البخاري حدثنا بنان (2) بن عمرو، حدثنا النضر، أنبأنا ابن عون، عن مجاهد، أنه سمع ابن عباس وذكروا له الدجال بين عينيه كافرا و (ك ف ر) فقال لم اسمعه ولكنه قال صلى الله عليه وسلم: " أما ابراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأما موسى فجعد آدم على جمل احمر مخطوم بخلبه كأني انظر إليه انحدر في الوادي ".
ورواه البخاري أيضا ومسلم عن محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي عن عبد الله بن عون به * وهكذا رواه البخاري أيضا في كتاب الحج وفي اللباس ومسلم جميعا عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي عن عبد الله بن عون به.
وفاة ابراهيم وما قيل في عمره
ذكر ابن جرير في تاريخه أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور الذي يقال انه ملك ألف سنة وكان في غاية الغشم والظلم * وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذين بعث إليهم نوح عليه السلام وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا.
وذكروا أن طلع نجم اخفى ضوء الشمس والقمر فهال ذلك أهل ذلك الزمان وفزع النمرود.
فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك فقالوا يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه.
فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء وأن يقتل المولودون من ذلك الحين فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين فحماه الله عزوجل وصانه من كيد الفجار وشب شبابا باهرا وانبته الله نباتا حسنا حتى كان من أمره ما تقدم وكان مولده بالسوس وقيل ببابل وقيل بالسواد من ناحية كوثى (3) وتقدم عن ابن عباس أنه
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 3 / 324 ومسلم في صحيحه 1 / 74 / 271 وفيه زيادة: ورأيت جبرائيل عليه السلام فإذا أقرب ما رأيت به شبها دحية.
وقبله..رأيت إبراهيم..شبها بصاحبكم (يعني نفسه).
(2) في البخاري: بيان بن عمرو.
(3) تقدم التعليق فليراجع في موضعه.
[ * ]
قال الامام أحمد حدثنا يونس وحجين قالا: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " عرض علي الانبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود، ورأيت ابراهيم فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية.
تفرد به الامام أحمد من هذا الوجه وبهذا اللفظ (1) * وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر، حدثنا اسرائيل، عن عثمان - يعني ابن المغيرة - عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عيسى ابن مريم وموسى وابراهيم، فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر - وأما موسى فآدم جسيم ".
قالوا له فابراهيم ؟ قال: " انظروا إلى صاحبكم " يعني نفسه * وقال البخاري حدثنا بنان (2) بن عمرو، حدثنا النضر، أنبأنا ابن عون، عن مجاهد، أنه سمع ابن عباس وذكروا له الدجال بين عينيه كافرا و (ك ف ر) فقال لم اسمعه ولكنه قال صلى الله عليه وسلم: " أما ابراهيم فانظروا إلى صاحبكم وأما موسى فجعد آدم على جمل احمر مخطوم بخلبه كأني انظر إليه انحدر في الوادي ".
ورواه البخاري أيضا ومسلم عن محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي عن عبد الله بن عون به * وهكذا رواه البخاري أيضا في كتاب الحج وفي اللباس ومسلم جميعا عن محمد بن المثنى عن ابن أبي عدي عن عبد الله بن عون به.
وفاة ابراهيم وما قيل في عمره
ذكر ابن جرير في تاريخه أن مولده كان في زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور الذي يقال انه ملك ألف سنة وكان في غاية الغشم والظلم * وذكر بعضهم أنه من بني راسب الذين بعث إليهم نوح عليه السلام وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا.
وذكروا أن طلع نجم اخفى ضوء الشمس والقمر فهال ذلك أهل ذلك الزمان وفزع النمرود.
فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك فقالوا يولد مولود في رعيتك يكون زوال ملكك على يديه.
فأمر عند ذلك بمنع الرجال عن النساء وأن يقتل المولودون من ذلك الحين فكان مولد إبراهيم الخليل في ذلك الحين فحماه الله عزوجل وصانه من كيد الفجار وشب شبابا باهرا وانبته الله نباتا حسنا حتى كان من أمره ما تقدم وكان مولده بالسوس وقيل ببابل وقيل بالسواد من ناحية كوثى (3) وتقدم عن ابن عباس أنه
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده ج 3 / 324 ومسلم في صحيحه 1 / 74 / 271 وفيه زيادة: ورأيت جبرائيل عليه السلام فإذا أقرب ما رأيت به شبها دحية.
وقبله..رأيت إبراهيم..شبها بصاحبكم (يعني نفسه).
(2) في البخاري: بيان بن عمرو.
(3) تقدم التعليق فليراجع في موضعه.
[ * ]
كتاب بداية ونهاية الجزء السادس doc
100out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.
100out of 100 based on 100 ratings. 100 user reviews.
0 تعليق:
إرسال تعليق